الأزمة الحكومية – السياسية التي لاح شبحها في لبنان بعد الاستقالة القسرية من رئاسة الحكومة من الرياض لرئيس تيار المستقبل سعد الحريري، أثارت خوفاً على الاستقرار الأمني والسياسي الهشّ في البلاد، وقلقاً من عودة التعطيل الى المؤسسات الدستورية ولكن هذه المرة جرّاء فراغ حكومي قد يطول مثلما طال الفراغ الرئاسي (سنتان وسبعة أشهر)، الذي انتهى قبل نيّف وسنة، وتوجّساً من عدم إجراء الانتخابات النيابية في شهر أيار المقبل التي تنتظرها “شعوب” لبنان بفارغ صبر وإن لأهداف متناقضة، قد يكون أبرزها أن الفراغ النيابي المعطوف على الفراغ الحكومي سيضع الوطن و”الدولة” على طريق المجهول. ذلك أن وجود رئيس الجمهورية لا يكفي لتعويض ذلك. كما أن صلاحياته المنصوص عليها في الدستور لا تسمح له باتخاذ الاجراءات الكفيلة بملء الفراغ، وذلك رغم الجملة المهمة جداً والعامة جداً الواردة في مقدمة الدستور المنبثق من اتفاق الطائف التي تصفه بحامي الدستور.
طبعاً ما جرى منذ اعلان الاستقالة حتى اليوم على مرارة بعضه، كوّن انطباعاً أن الأزمة المُشار إليها أعلاه صارت على الأرجح أقرب الى النهاية بفضل التصرّف الحكيم للرئيس ميشال عون، والحرص “الحكيم” لثنائية حزب الله و حركة أمل على التمسك بـ”التسوية السياسية” التي أنتجت الحكومة، وردّ الفعل المنطقي للرئيس الحريري على ما “حصل معه” في الرياض وبعد العودة منها, وهو عدم الانصياع للضغط والميل الى التمسّك بـ”التسوية” مع تحسين بعض شروطها إرضاءً “لشعبه” السنّي، ولمرجعيته الاقليمية تقليدياً أي المملكة العربية السعودية.
لكن ذلك على أهميته لا يعني أن خطر إرجاء الانتخابات النيابية لتعذّر إجرائها قد زال. إذ أن العامل الذي يترجم هذا الخطر، بعد زوال العامل الحكومي – السياسي إذا زال، هو الأمن. واستتبابه جرّاء النشاط الكبير للأجهزة الأمنية المتنوّعة، والمساعدة القيّمة التي يقدمها لها “حزب الله” ورفضه الانزلاق الى فتنة داخلية أو حرب رغم انفراده بالقدرة على خوضها، لا يعني استحالة ضربه. خصوصاً من مناطق أو أمكنة أو ربما بؤر مليئة بعناصر وجهات مصلحتها الأساسية زعزعة أمن لبنان. وفي هذا المجال فإن المعلومات المتوافرة عند جهات سياسية لبنانية متابعة بجدية وواسعة الاطلاع، تشير الى خشيتها من وقوع أحداث أمنية كبيرة، وترجّح أن يكون مسرحها ومصدر امتدادها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وخصوصاً التي منها في الجنوب وفي مقدّمها “عين الحلوة”. أما دافع الترجيح فهو وجود غالبية عوامل الانفجار داخلها مثل “الارهابيين الاسلاميين” المنفردين، ومثل التنظيمات الاسلامية المتشدّدة حتى العنف والتكفير، ومثل اللاجئين غير الفلسطينيين إليها للحماية والعمل والتخطيط. هذا فضلاً عن وجود أكبر حركتي مقاومة فلسطينية داخلها هما “فتح” و”حماس”. وقد تم إعلام الجهات الأمنية اللبنانية بذلك، ثم عُقدت اجتماعات على أعلى المستويات بينها وبين القيادات في المخيمات ومن كل الاتجاهات. وقيل إن تطويقاً لما كان متوقعاً قد حصل وقد يكون ذلك صحيحاً. لكن على الجميع التيقّظ لأن الخلايا الإرهابية النائمة، كما إسرائيل مثلما تبيّن أخيراً، قد تنفذ تفجيرات مؤذية جداً وعمليات اغتيال مثيرة للشغب فالفتنة.
لماذا انفلات الأمن انطلاقاً من المخيمات يثير القلق؟ لأن مخيّمات عين الحلوة والجوار هي طريق الجنوب ذي الغالبية الشيعية، ولأن الشغب والفتنة يهددان باقفالها، ولأن حزب الله و حركة أمل كما الشيعة لن يسمحوا بذلك. وقد يجرّ ذلك الى اقتتال كبير يذكّر بحرب المخيمات في أثناء الحروب الأهلية وغير الأهلية في لبنان. وقد يكون ذلك الهدف الفعلي لمثيري الفتن. لماذا يستمر التوتر الفلسطيني سواء داخل لبنان أو خارجه رغم إصرار قيادات لبنانية وفلسطينية رسمية وأساسية على استبعاد تحوّله إخلالاً خطيراً بالأمن، ورغم التحركات التصالحية التي يشهدها الداخل الفلسطيني بين “فتح” و”حماس” والرعاية العربية وتحديداً المصرية لها، والتي سيكون تأثيرها ايجابياً على لبنان؟
لأسباب عدة، تجيب الجهات السياسية اللبنانية المتابعة نفسها، أولها المصالحة بين السلطة الوطنية الفلسطينية (منظمة التحرير و”فتح”) و”حماس” التي بدأت برعاية القاهرة، والبند الأول فيها اتفاق على توحيد السلطة في الضفة الغربية وقطاع غزة.. وفي أثناء التحضير لها وتنفيذها قالت مصر لـ”حماس” إن “حكومة غزة” لا لزوم لها، وضغطت عليها وعلى “فتح” ثم قالت للإثنتين: “أذا لم توافقا فإن إسرائيل ستشنّ حرباً على غزّة خلال 48 ساعة. ماذا حصل بعد ذلك؟