تعرض المتصوفة في سيناء لمجزرة حقيقية ذات خلفيات تاريخية
 

أولاً:  هول المجزرة وفظائعها

لم يشهد العالم الإسلامي طوال تاريخه مجزرةً كمجزرة مسجد العريش، حيث تولّى تنفيذها إسلامويّون متطرفون بحقّ مُصلّين آمنين، ليتبيّن فيما بعد أنّ دافع الهجوم الإجرامي يستهدف جماعة صوفية تمارس رياضتها الروحية وفق ممارسات وأفعال وسلوكيات تختزن معانٍ إسلامية سامية في محاولة الإنسان  التّعرُف عن قربٍ إلى خالقه.

ثانياً: لمحة عامة عن التصوف الإسلامي

لطالما تعرّض التصوف الإسلامي لشتّى الهجمات من السّلفيّين والمحافظين والفقهاء ، فضلاً عن بعض الدعاة المتطرفين، فهذا المفكر عمر فروخ يقول في مقالة له في مجلة الباحث (العدد الرابع عام ١٩٨٠) :"  إنّ التصوف ليس من الإسلام في شيء"، ويستند فروخ إلى تراثٍ سلفي نصّي في مهاجمة التصوف ابتدأ مع الملطي في كتابه "التنبيه"، وأكمل هذا الهجوم ابن الجوزي في كتابه "تلبيس إبليس"، كذلك هاجم التصوف ابن تيمية، أمّا الذين هاجموا التصوف من المحدثين فنذكر منهم جمال الدين الأفغاني والشاعر الفيلسوف محمد إقبال  وعبد الحميد بن باديس.
وانتصر في المقابل كثيرون للتّصوف، وقالوا بأن التصوف وإن كان لا يتّسق تمام الاتساق مع السُّنّة والفقه، فإنّ هذا لا يُخرجه من دائرة الإسلام كما ادّعى فروخ، وهو إذ خرج بعض رجالاته ومُريديه عن بعض مبادئ وحدود السّنّة ، ولم يتقيّد بالأحكام الفقهية الجامدة، ونحا باتجاه سلوك عملي متطرف في العبادة، إنّما كان يحاول ابتداع أنماطٍ جديدة من السلوك والتفكير في الحياة الإسلامية، وإنّه حاول استكشاف المعاني العميقة والحقيقية للمعتقدات الدينية والسلوك العملي لتطبيقها، وإنّ ذلك لا يُخرجه من ثوبه الإسلامي الذي اكتسى به منذ نشأته الأولى.

إقرأ أيضًا: أحمد الايوبي ومارسيل غانم ... حرّية الرأي ونعمة الحرية أقوى من سيف النقمة


ولعلّ أبرز ما يدلُّ على صفاء سرائرهم وانتسابهم للدين الإسلامي، وارتباطهم بالله برباطٍ وثيق هو ما أوردهُ الكلاباذي في كتابه "التّعرف لمذهب أهل التصوف" حول الاختلاف في تسميتهم بالصّوفية فيقول: "إنّما سُمّيت الصوفية صوفيّةً لصفاء أسرارها ونقاء آثارها، وقال بشرُ بن الحارث: الصوفي من صفا قلبُه للّه، وقال بعضهم: الصوفي من صفت للّه معاملته، فصفت له من الله عزّ وجلّ كرامتُه، وقال قومٌ إنّما سُمّوا صوفية لأنّهم في الصّف الأول بين يدي الله، وقال قومٌ إنّما سُمّوا صوفية للبسهم الصوف."
تُجمع معظم الدراسات أنّ التصوف ظهر أول ما ظهر بإطارٍ سُنّيٍ خالص وهو "الزهد" الذي تطوّر فيما بعد وتأثر بعوامل كثيرة. كما أنّ أحوالهم ومقاماتهم ترتكز بشكلٍ أساسي على القرآن والحديث وأقوال الصحابة وسلوكهم وأقوال مشايخهم في ترك الدنيا والتّوجه للّه كُلّية.
وخلاصة القول أنّ أحداً من الفقهاء والسلاطين لم يتعرض لهم بتهم التكفير والارتداد ، ممّا يُعرضهم لاستباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم، صحيح أنّ بعض الأفراد تعرضوا للمحاكمة والقتل، إلاّ أنّ ذلك لم يرقى أبداً لمستوى الإبادة التي أصابت المصلين في مسجد العريش.
(يتبع: مقومات أخلاق الصوفية).