لا حاجة للقول إن حزب الله ليس في وارد الإعتراف بوجوب النأي بالنفس
 

برغم السابقة المتمثلة في وصف حزب الله اللبناني بالإرهابي، فإن خلو القرارات الصادرة عن مجلس وزراء الخارجية العرب من بنود تدين الحكومة اللبنانية، يشكل بادرة حسن تقدير لحساسية الوضع اللبناني، أكدته زيارة أمين عام الجامعة العربية للبنان وتصريحه بعد لقائه رئيس الجمهورية بأن "لا أحد يرغب بإلحاق الضرر بلبنان وإذا كان القرار مس طرفا في لبنان فهذا الأمر ليس بجديد".
إذن، الباب ما زال مفتوحًا أمام لبنان الدولة والحكومة والمؤسسات، لسلوك طريق السلامة واتقاء الضرر الذي بدا عشية الإجتماع العربي أنه كان قاب قوسين أو أدنى وهذا طريق لا حاجة لعناء كثير في التفتيش عنه، فهو موجود ولطالما سلكه لبنان عند كل مفترق تنحرف فيه دول المنطقة إلى صراعات المحاور والمواجهات السياسية وغير السياسية الحادة، وصولا إلى القطيعة.
في الماضي القريب لم يكن "النأي بالنفس" يستخدم إلا في النادر كمصطلح في وصف سياسة لبنان المحايدة عربيًا إلا في الصراع العربي - الإسرائيلي، كان لبنان ينتهج هذه السياسة من دون إفتعال، ولم تكن ثمة حاجة على المستوى السياسي الداخلي إلى إجتماع خاص أو ترتيبات غير اعتيادية تتخذها الحكومة اللبنانية، تحضيرًا لأي إجتماع عربي أو دولي، من أجل الاتفاق على ما يجب أن يقال وما لا يجب اتخاذه من مواقف لكن الأمر تغير منذ أن تسلم حقيبة الخارجية اللبنانية وزراء ممن يصنفون في نهج الممانعة، فوضعوا "بصماتهم" على سياسة لبنان الخارجية ونهجها.
لبنان اليوم في بداية أزمة سياسية كبيرة، بسبب الإختلاف على تفسير مفهوم النأي بالنفس، إن لم يكن عدم إحترام فريق أساسي في الحكم لمقتضياته.
الممارسات المندرجة في هذا السياق، وصلت إلى حد تفرد وزير الخارجية الحالي جبران باسيل في التحرك خارج المسار الذي يرسمه مفهوم النأي بالنفس والإندفاع أكثر إلى مستوى خطاب حزب الله في "الإنتصار ولو بعد تدمير لبنان". 

إقرأ أيضًا: سموات المنطقة وقبوات اللغو اللبناني

وجاء كلام رئيس الجمهورية الذي اعتبر أن "إحتجاز" الحريري في السعودية "عمل عدائي ضد لبنان"، بمثابة تصعيد فتح صفحة جديدة في الخطاب الرسمي اللبناني تجاه الدول العربية، وربما يكون قد تسبب بأول أزمة وأكثرها خطرًا في العلاقات اللبنانية - العربية قد تكون له ارتداداته عندما يحين الوقت ليبني كل فريق ودولة "على الشيء مقتضاه"، وهذا ما لن يتأخر كثيرا بعد تقديم الحريري إستقالته رسميًا و"دستوريًا"، وما سيعلنه من مواقف وما ستكون عليه ردود الفعل.
ولا حاجة للقول إن حزب الله ليس في وارد الإعتراف بوجوب النأي بالنفس السيد حسن نصر الله كرر ذلك في إطلالته الأخيرة، بل طلب من الدول العربية أن تنأى بنفسها عن لبنان وما بين طيات خطابه الأخير ثمة رسائل مبطنة تشي بأن الأزمة في منحى تصاعدي.
اليوم، وبعد القرارات الأخيرة لمجلس الجامعة العربية، ثمة تطورات متسارعة من بيروت إلى الرياض إلى باريس إلى القاهرة إلى واشنطن، بحيث لم تعد الأزمة اللبنانية المستجدة محصورة بين نهجين أو أكثر في تفسير مفهوم النأي بالنفس. الأوضاع في تطوراتها غير المرئية كاملة بعد تتخطى إستقالة الحريري بشكليتها إلى صميم الرسالة التي حملتها وبالتأكيد هي تتخطى المناوشات الداخلية حول إشكالية تقديمها من السعودية والأزمة التي بدأت بإستقالة الحريري يرتبط مآلها وثيقا بما سيجري ميدانيًا في اليمن وفي سوريا وسيكون على لبنان أن يمتلك قدرة إستثنائية لحماية إستقراره في ظل هذا الوضع المهتز، حيث وتيرة الصراع السعودي الإيراني تتوسع لتشمل كل المنطقة وساحاتها مفتوحة، أو أنه لا تحييد لأي ساحة  سواءً أكانت مهيأة أم لا.
مظلة الحماية الدولية فوق لبنان ضمنت إستقرار لبنان العربي وغير الداخل في ساحات صراعات المنطقة طبعا بإستثناء الصراع مع إسرائيل، لكنها لن تكفي وحدها في الحد مما دفع البعض به كي يكون إحدى هذه الساحات، إذا لم يتدارك مسؤولوه الأمر، انطلاقًا من القناعة بأن الصراع في المنطقة ليس من صالح لبنان الدخول فيه طرفًا، لأنه بذلك سيكون خاسرًا بأي شكل ومن أي زاوية نظر إلى هذه الحال.
الإستقالة قدمت فرصة لوضع ترتيبات حقيقية لإحياء مفهوم النأي بالنفس وإبتكار الصيغة الملائمة لتطبيقها في الظروف الراهنة.
وللأسف، حتى الآن لم يتم إستغلالها وما زال يجري تجاهلها وعدم الإلتفات إليها.