تشكل الاستقالات التي عصفت بالهيئة العليا للمفاوضات محطة فارقة في الأزمة السورية، لجهة بلورة رؤية سياسية جديدة للحل ستكون هناك حاجة معها لبروز وجوه جديدة على المسرح السوري الذي يشهد حربا دموية منذ نحو سبع سنوات
 

ينطلق اليوم الأربعاء مؤتمر “الرياض 2” للمعارضة السورية بالتزامن مع لقاء قمة ثلاثي يجمع كلا من رؤساء تركيا وروسيا وإيران في مدينة ستوشي جنوب غرب روسيا، فيما يظل العامل المشترك بينهما هو التهيئة لانطلاق عملية لتسوية الأزمة السورية.

واستبقت اجتماع “الرياض 2”، الذي يستمر على مدى يومين، عاصفة من الاستقالات طالت وجوها بارزة في الهيئة العليا للمفاوضات، الممثل الرئيس للمعارضة في جولات جنيف السابقة.

ومن بين الأسماء البارزة المستقيلة رئيس الهيئة رياض حجاب، والمتحدث باسمها سالم مسلط، وعضو الهيئة سهير الأتاسي، وممثل المجلس الوطني الكردي في الهيئة عبدالحكيم بشار.

ولاقت هذه الاستقالات ترحيبا كبيرا من روسيا التي قال وزير خارجيتها سيرجي لافروف “إن تراجع شخصيات المعارضة ذات الفكر المتشدد عن لعب الدور الرئيسي سيجعل من الممكن توحيد هذه المعارضة غير المتجانسة، في الداخل والخارج، حول برنامج معقول وواقعي وبناء بشكل أكبر”.

وتتهم شخصيات في المعارضة السورية موسكو بالوقوف خلف ما يحصل اليوم من استقالات داخل الهيئة وذلك لضربها، وتعويضها بمعارضات قريبة منها، أو قادرة على تبني رؤيتها للحل في سوريا.

وقال محمد صبرا، أحد المستقيلين من الهيئة، الثلاثاء، “إن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية برئاسة رياض سيف ساعد روسيا في تنفيذ مخططها بالإطاحة بمن يرفضون المهادنة بالعملية التفاوضية وإحلال من يميلون للتعاطي الإيجابي مع السياسة الروسية محلهم”.

والائتلاف هو أحد أبرز أجسام المعارضة السورية، وتعتبر تركيا الحاضن والداعم الرئيسي له، وهذا ما قد يعطي تصريحات صبرا مصداقية لجهة أن أنقرة وبعد سنوات من دعم مشروع إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد شهدت استدارة صوب روسيا وسط معطيات تقول إن اجتماع سوتشي الذي سيعقد الأربعاء سيؤكد على هذه الاستدارة، ولا يستبعد المراقبون أن تكون تركيا باتت تتبنى وجهة الرأي القائلة بإبقاء الأسد، وأنها دفعت الموالاة من المعارضة للتعاطي مع هذا الواقع الجديد.

واعتبر صبرا أن “روسيا استغلت حالة الانكفاء الأميركي وانسحابه من الملف السوري لدرجة أنها باتت تفرض إيقاعها بالكامل وأصبحت تحدد من يمثل المعارضة السورية ومن لا يمثلها.. والمسؤولية في ذلك لا تصب على السعودية أو أي طرف إقليمي وإنما للأسف على طرف سوري معارض هو الائتلاف الوطني برئاسة رياض سيف.. فالائتلاف هو من طالب الخارجية السعودية بأن تُشكل اللجنة التحضيرية لمؤتمر الرياض 2 من مكونات سياسية، وليس من الهيئة العليا للمفاوضات”.

واستطرد “ما حدث الاثنين من استقالات كان نتيجة تجاوز إرادة السوريين.. تشكلت اللجنة التحضيرية من شخصيات من داخل الهيئة العليا وخارجها، وقام من هم خارج الهيئة بدعوة شخصيات عدة لا يخفى انتماؤها لمكونات سياسية معروفة بمواقف معينة، ووصلنا إلى قناعة بأن الهدف الحقيقي من عقد المؤتمر هو تغيير الموقف التفاوضي للمعارضة تنفيذا لرغبات روسيا”.

وأشار بالقول “تصريح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف واضح حول أن تراجع شخصيات المعارضة ذات الفكر المتشدد عن لعب الدور الرئيسي سيجعل من الممكن توحيد هذه المعارضة غير المتجانسة”.

وتوقع صبرا أن “تكون مخرجات وقرارات المؤتمر بهذا الحال مجرد قرارات روسية بأصوات سورية”.

ويرى مراقبون أن عاصفة الاستقالات التي طالت الهيئة العليا هي محطة فارقة في الأزمة السورية، وعلى ما يبدو هناك توجه لتبني رؤية سياسية جديدة للحل، تحتاج لقيادة جديدة، بعد أن فرض الواقع الميداني كلمته.

ويقول هؤلاء إن خروج ما يطلق عليهم اصطلاحا بصقور المعارضة من المشهد سيمنح مؤتمر “الرياض 2” فرصة كبيرة للنجاح لجهة توحيد صفوف المعارضة بتلويناتها المختلفة وتشكيل وفد موحد لاستحقاق جنيف الذي لم يعد تفصل عنه سوى بضعة أيام، والذي يتوقع أن يضع اللبنة الأولى لحل سياسي مستدام في سوريا، وإن كانت هناك تخوفات مشروعة لمناوئي الأسد بأن هذا الحل لن يكون بالمرة في صالحهم.

وتحضر اجتماع الرياض 142 شخصية: 23 شخصا عن الائتلاف السوري بقيادة رياض سيف، و16 شخصا ممثلين عن هيئة التنسيق بقيادة حسن عبدالعظيم، و11 شخصا ممثلين عن منصة القاهرة، و7 أشخاص عن منصة موسكو، و64 شخصية مستقلة، و22 يمثلون الفصائل المقاتلة.