موسكو تتكتم على مصير الأسد، وبوتين يراهن على دور سعودي مؤثر لتوحيد المعارضة
 

جاء لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره السوري بشار الأسد في مدينة سوتشي، ليؤكد أن روسيا تتصرّف حاليا بصفة كونها المرجع الأوّل والأخير في شأن كلّ ما له علاقة بالوضع السوري، وأن الرئيس الروسي يجري اتصالات واجتماعات على مستوى عال للتسويق لرؤيته للتسوية السورية، وأن ذلك بموافقة أميركية.

وقالت مصادر سياسية أميركية إن ذلك ما كان ممكنا أن يحدث لولا موافقة إدارة الرئيس دونالد ترامب، مع ما يعنيه ذلك من إدارة روسية للوضع السوري على أن تتولى موسكو توفير كلّ الضمانات المطلوبة إسرائيليا في الجنوب السوري على وجه التحديد.

وعزت المصادر السياسية الأميركية الموقف الأميركي، الذي يعني استسلاما للرغبات الروسية في سوريا، إلى أن وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس ليس متحمسا لأي عمليات عسكرية في سوريا، بل يدعو على العكس من ذلك إلى تعاون عسكري مع الروس على أن تحافظ الولايات المتحدة على المواقع العسكرية التي باتت تشغلها في الشمال السوري. وهذا يعني أن لا تمدد أميركيا إلى الضفّة الأخرى من الفرات الذي سيبقى الحد الفاصل بين الأميركيين والروس في الداخل السوري.

وأوضحت أن موقف ماتيس، الذي سبق له وعمل كضابط كبير على الأرض في العراق وفي منطقة الحدود مع سوريا، يفسّر إلى حد كبير امتناع سلاح الجوّ الأميركي عن التدخل قبل أيام قليلة عندما استعادت قوات نظامية سورية بدعم من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله نقطة البوكمال عند الحدود السورية العراقية.

وتعتبر هذه النقطة في غاية الأهمية بالنسبة إلى إيران إذ تفتح لها الخط الممتد من طهران إلى بيروت عبر الأراضي العراقية والسورية.

ولاحظت المصادر أنّه بعد اعتراض الأميركيين وتدخلهم في البداية لمنع السيطرة الإيرانية على البوكمال، بعثت موسكو برسائل طمأنة إلى واشنطن تؤكد فيها أن نقطة البوكمال ستبقى تحت السيطرة الروسية وأنّه لن يكون مسموحا بحرية التحرّك الإيرانية في منطقة الحدود العراقية السورية، حتّى لو كان الإيرانيون يستخدمون الحشد الشعبي غطاء عراقيا لهم.

وشككت مصادر أميركية أخرى بأيّ ضمانات يمكن أن توفرّها روسيا لأميركا في شأن كلّ ما يتعلّق بتصرفات إيران في سوريا. وقالت هذه المصادر إن حقيقة الأمر هي أنّ لا استراتيجية أميركية تجاه سوريا حتّى الآن في غياب قرار واضح في مواجهة المخططات الإيرانية على الصعيد الإقليمي.

وبالتوازي مع التوافق على الحد الأدنى مع واشنطن، تراهن روسيا على دور سعودي محوري في إنجاح الحل السياسي المستقبلي في سوريا، وهذا ما يفسر الاتصال الهاتفي للرئيس الروسي بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، والذي أطلعه من خلالها على تفاصيل لقائه بالرئيس السوري، والخطط التي تتم مناقشتها لضبط أسس الحل، فضلا عن اللقاء التوحيدي للمعارضة السورية والذي تحتضنه الرياض اليوم (الأربعاء)، والذي تلعب فيه السعودية دورا مهما في توحيد المعارضة على قاعدة إنجاح الحوار السوري.

وأعلنت شخصيات بارزة من الهيئة العليا للمفاوضات المعروفة بمنصة الرياض استقالتها بما يسمح بإعادة تشكيل الهيئة لتكون مفاوضا رسميا باسم المعارضة بمختلف منصاتها.

واعتبر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن تراجع شخصيات المعارضة ذات الفكر المتشدد عن لعب الدور الرئيسي سيجعل من الممكن توحيد هذه المعارضة غير المتجانسة، في الداخل والخارج، حول برنامج معقول وواقعي وبناء بشكل أكبر.

وقالت مصادر مقربة من المعارضة السورية إن روسيا تتكتم على مصير الأسد ودوره المستقبلي سلبا أو إيجابا حتى لا يربك موقفها الحوارات والاجتماعات التي تجري استعدادا للقاء جديد في أستانة أو جنيف، ولتوفير أكثر ما يمكن من ضمانات النجاح لمؤتمر الشعوب السوري الذي سيتولى صياغة الدستور المستقبلي لسوريا ويحدد شكل سوريا الجديدة بتوافق أوسع لمختلف المنصات.

وأكدت الرئاسة الروسية الثلاثاء أن الشعب السوري وحده هو الذي يمكنه أن يقرر الدور المستقبلي للأسد.

ووفقا لوكالة “تاس″ الروسية فقد رفض المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف الإجابة في مؤتمر صحافي الثلاثاء على سؤال حول دور الأسد في مستقبل سوريا، وقال إن “الشعب السوري وحده هو الذي يمكنه أن يحدد مستقبل الأسد”.

ورفض الإجابة على تساؤل حول كيف يرى الأسد نفسه مستقبله، وقال “لا يمكنني أن أقول أي شيء في هذه المرحلة”.

ورأى الخبير الروسي أزدار كورتوف أن زيارة بشار الأسد إلى روسيا تدل على “أهمية إبلاغ الكرملين بموقف السلطات السورية في ما يتعلق بالتسوية المستقبلية للنزاع في سوريا وأنه (الأسد) مهتم بالقمة المقبلة لبوتين مع الرئيسين الإيراني والتركي”، والمقررة لليوم.

وأضاف “من غير المرجح أن يكون ذلك تعبيرا عن الدعم السياسي من قبل الكرملين للأسد، فذلك يمكن أن يتم بوسائل أخرى”، مشيرا إلى أن “مرحلة الحرب المفتوحة في النزاع السوري ستنتهي قريبا وستصبح مسألة الحل السياسي ممكنة أكثر من أي وقت مضى”.

وتابع أن “الأمر يتعلق قبل كل شيء بمناقشة المواقف لا سيما أن قضايا عدة تراكمت لا يمكن حلها في العلن”. وذكر خصوصا الأكراد الذين يسيطرون على جزء من شمال سوريا على الرغم من استياء أنقرة.

من جهته، قال تيمور أحمدوف الخبير في المجلس الروسي للشؤون الخارجية الذي يوجد مقره في أنقرة أنه بالنسبة لتركيا فإن “الاحتفاظ بدور لها في مفاوضات سياسية مستقبلية مسألة أهم من مغادرة الأسد السلطة”.