أي إستقلال يتحدثون عنه لبلد يتفاخر حكامه بالمظلة الدولية التي تحول دون إنجراره إلى حروب أهلية؟
 

بحثت عن إستقلال الوطن فلم أجد غير نسخة مكررة لإستعراض فولكلوري يقام يوم الثاني والعشرين من تشرين الثاني من كل عام في أحد شوارع أم الشرائع العاصمة بيروت يحضره حشد رسمي وشعبي في باحة واسعة معدة للإحتفال بهذه المناسبة الوطنية وفي مقدمتهم متقاسمو السلطة الثلاث، الرئيس الأول مسيحي ماروني يتوسط الرئيس الثاني مسلم شيعي والرئيس الثالث مسلم سني بكامل ألبستهم الرسمية يشغلون الصف الأول ويليهم قادة وألوية ورؤساء الأجهزة العسكرية والأمنية والقضائية والشخصيات الإقتصادية والمالية والمصرفية والبعثات الدبلوماسية وبعض السفراء العرب والأجانب الذين ترتبط بلدانهم بعلاقات مميزة مع البلد وفاعليات سياسية وحزبية وإجتماعية إضافة إلى لفيف من النواب والوزراء المعنيين والمقربين حديثو النعمة والولاء ممن بدا على وجوههم وإرتباكهم مظاهر الغنى الفاحش والثراء الممزوج بتلاوين الشبهات والريبة والشك بثروات جمعوها في غفلة من الشعب وبصفقات أقل ما يقال فيها أنها مشبوهة. 

إقرأ أيضًا: إستقالة الحريري تجنب لبنان ضربة إسرائيلية

وبحثت عن الإستقلال في آمال وأحلام الأجيال الصاعدة  فلم أجد غير مستقبل قاتم ومظلم حافل بالمفاجآت المرعبة ويفتقد إلى أدنى مقومات الحياة الحرة الكريمة لشباب الغد والذي تغيب عنه الخطط المواكبة لتطور المجتمعات الراقية والمشاريع التنموية التي تنهض بالإنسان من براثن الجهل والتخلف نحو العصرنة والحداثة لينسجم مع بني جنسه في باقي دول العالم المتقدمة والمتحضرة. 
وبحثت عن الإستقلال في حرية الشعب باتخاذ قراراته المصيرية وتقرير مصيره وسيادته على أرضه وبناء دولة العدالة والمساواة ودولة القانون والمؤسسات فلم أجد غير شعوبًا وقبائل متناحرة ومتنافرة ومشحونة بأحقاد الماضي الدفين وسلمت زمام أمورها إلى زعامات إستولدتها الحروب والعصبيات البغيضة والمتاريس الطائفية والمذهبية والإرتهان للخارج  فاستهانوا بالوطن ومصلحة المواطن  وحولوا البلد إلى رهينة وريشة في مهب رياح المصالح الخارجية وكرة تتقاذفها الأيدي الأجنبية الدخيلة مقابل أثمان بخسة لا تتجاوز الحفن الزهيدة من الريالات والدولارات والدنانير. 
بحثت عن الإستقلال في كرامة الإنسان وشموخه وعزة نفسه فلم أجد غير المواطن المستضعف المغلوب على أمره الذي يقف على باب سلطان زمانه مستعطيا لقمة العيش له ولأسرته وحبة الدواء والإستشفاء لأبنائه والقسط المدرسي لأطفاله فيعيش خاضعًا ذليلًا منقادًا لرغبات الزعيم وأهوائه وهو مسلوب الإرادة وشرف الحياة الكريمة والحرية والنعم الإلهية. 

إقرأ أيضًا: نقل معركة الإستقالة من مرحلة الأسباب إلى مرحلة عودة الحريري

بحثت عن الإستقلال في حق الإنسان بحياة آمنة ومستقرة فلم أجد غير مربعات أمنية خاضعة لسلطة قوى أمر واقع ومحمية بغياب الشرعية والقانون فتحولت إلى مزارع تسودها الفوضى والتجاوزات وشريعة الغاب والفلتان وتفتقد إلى الحدود الدنيا من الأمن والإستقرار. 
فأي إستقلال يتحدثون عنه لبلد يتفاخر حكامه بالمظلة الدولية التي تحول دون إنجراره إلى حروب أهلية وتحميه من شرارات النيران المحيطة به؟! ويتسابقون لربطه بأزمات المنطقة ومشاكلها وإدخاله في آتون صراعات المشاريع الإقليمية. 
فالإستقلال وقبل أن يتحقق بجلاء الأجنبي المحتل لا بد من جلاء الحقد والضغينة والكراهية والشحن المذهبي والطائفي من النفوس حتى يكتمل ليحق لأبناء الوطن الإحتفال وإقامة المهرجانات. 
فهذا هو الإستقلال الضائع الذي أبحث عنه ولم أجده.