يُطلّ عيد الاستقلال هذا العام في ظلّ أوضاع سياسية متأزّمة قد تطيح بمفهوم السيادة والاستقلال، وتكاد أن تُحوّلَ لبنان إلى دولة مستقلّة عن الواقع وليست مستقلة في الواقع. دولة شعبُها يتغنّى كلّ فريقٍ منه بشعائره ومفهومه للاستقلال، وكلٌّ بحسبِ طائفته ومعتقداته، إلّا أنّ الذي يُميّز الاستقلاليين اللبنانيين هذا العام إجماعُهم على أداء الجيش اللبناني، فحيّوا بطولاته وواكبوها وما يزالون...هم دُهِشوا لدحرِه إرهاباً تردّدَت أساطيلُ قوى التحالفِ الدولي عن مجابهته، إلّا أنّ جيشهم فعَلها ورسَم خريطة الاستقلال الثالث. فهل سيُسطّر هذا الجيش الصغير في عدده، المتواضعُ في عتاده والغنيُّ في إنجازاته، الاستقلالَ الثالث والثابت للبنان.
يُعتبر إعلان الجنرال غورو قيامَ دولة لبنان الكبير عام 1920 بداية الاستقلال الأوّل الذي تُرجم عام 1943، فدمجَ علمي فرنسا ولبنان معاً وأقرّ الدستور عام 1926 وأعلنَ قيام الجمهورية اللبنانية.

وبعد تسلّمِ الفرنسيين السلطة في لبنان، وُعِد اللبنانيون بالاستقلال، إلّا أنّهم اعتبروه مزيّفاً لأنّ الدستور كان ما يزال معلّقاً بيدِ الفرنسيين الذين عيّنوا بأنفسهم رئيساً لجمهورية لبنان محتفِظين لأنفسِهم بحق التدخّلِ بشؤونه الداخلية، فجاءت انتفاضة الاستقلال بعد الإجماع الوطني الكبير الذي عقِد في بكركي في 25 كانون الأوّل 1941 برعاية البطريرك عريضة، حيث طالبوا باستقلال لبنان التامّ وتشكيلِ حكومة وحدة وطنية صحيحة وإجراءِ الانتخابات النيابية الحرّة التي أتت بالرئيس بشارة الخوري عام 1943 إضافةً إلى حكومة وحدة وطنية تضمّنَت في بيانها النصّ التالي: لبنان جمهورية مستقلّة ترفض الحماية الأجنبية أو الانضمام إلى أيّ دولة عربية، ولبنان وطن لجميع اللبنانيين على تعدّدِ طوائفهم، وهو جزء من العالم العربي. يتخلّى المسلِمون عن المطالبة بالوحدة أو الاتّحاد مع الشرق العربي وفي المقابل يتخلّى المسيحيون عن المطالبة من الغرب برعايتهم وحمايتهم».

الاستقلال الثاني 2005

بعد اتّفاق الطائف الذي وضَع حدّاً للحرب الأهلية في لبنان، والذي أدّى الى تسمية رفيق الحريري رئيساً للحكومة لاحقاً، أطلقَ مسيرة الإعمار، إلّا أنه اغتيلَ، وكِلفةُ اغتياله أدّت إلى انسحاب السوريين من لبنان، فكانت انتفاضة الاستقلال الثاني عام 2005.

أمّا بشائر الاستقلال الثالث والثابت فتبقى ما سطّرَه الجيش وحده في هذه الحقبة بعد انتصاره على الإرهاب ودحرِه، في حين تردّدت باقي الدولِ العظمى عن مقاتلة «داعش» وأخواتها، ليأتيَ عيد الاستقلال هذا العام مختلفاً من حيث الشكل والمضمون أيضاً.

مصادرُ عسكرية تصفُ مشهدية عرضِ الاستقلال لهذا العام بالقول: «أنه سيتمّ خلاله عرض لأسلحةٍ ثقيلة وخفيفة، فيما ستشارك دبابات البرادلي التي وصَلت حديثاً، بالإضافة الى عروض سرب من الطائرات في الجو أبرزها «السوبر توكانو»، ومشاركةِ جيبات الـutv التي شاركت في معركة فجر الجرود، أمّا للذين يُقلّلون مِن أهمّية أسلحةِ الجيش أمام أسلحةِ الدولِ العظمى، فعلّقت تلك المصادر مؤكّدةً أنه في الإجمال ستُعرض معظم الأسلحة الموجودة إنّما ليس تفصيلياً، أي لا يتمّ عرض كلّ السلاح الذي يمتلكه الجيش إنّما أكثره، وفي النتيجة إنّ النصر لا تصنعه تلك الأسلحة، بل الرجال».

وتضيف المصادر العسكرية أنّ ما يميّز العرض هذه السنة هو ما يميّزه في كلّ حقبة من تاريخ الوطن، لأنّ لكلّ حقبة انتصاراتها... والجميع يَعلم أنّ الجيش في كلّ حقبة مرّت في تاريخ لبنان سطّرَ بطولات وانتصارات وتضحيات. وهذه السنة لمسَ اللبنانيون أداءَ ضبّاطه وجنوده وسط استشهاد أبطاله المستمر على مرِّ السنوات.

وتشير المصادر إلى أنّ ما يميّز العرض أنه يأتي بعدما حرّرر الجيش لبنانَ وجروده من الإرهاب وتحديداً في رأس بعلبك والقاع، لأنه برحيلِ الإرهابيين يتمّ إحباط مشروعهم الكبير للمنطقة وللبنان.

وتضيف المصادر: «الأمر الثاني الذي يميّز العرض هو أنه العرض الأوّل لقائدٍ جديد للجيش العماد جوزف عون».

وأمّا بالنسبة لوجود رئيس الحكومة سعد الحريري فهو أقلّ مِن طبيعي، إذ إنّ مكانَه الطبيعي يجب أن يكون بين الكراسي الأساسية. إلّا أنه في هذه السنة سيكون أيضاً وقعُه مميّزاً.

ومِن الرموز المميّزة في هذا العرض البزّةُ الجديدة التي سيرتديها العسكريون، والتي قدّمها قائد الجيش إلى القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.

وتوضح مصادر عسكرية أنّ تبديلها طبيعي، إذ إنّ جيوش العالم بكاملها تَعمد الى تبديل زيِّها العسكري بعد كلّ فترة من فترات استهلاكها، وفي الوقت الذي بدّلت أغلبية جيوش العالم بزّاتها مراراً بما فيها الجيش الاميركي، أبقى الجيش اللبناني على البزّة المرقّطة منذ زمنٍ طويل يُقارب الـ 34 سنة بعدما كانت زيتيةً سادة وليست مرقّطة.

وتضيف المصادر «صحيح أنّ المدى الذي انتظرَ فيه الجيش اللبناني قبل تبديل البزّة العسكرية كان طويلاً لأنّ قرار التبديل ارتبَط بمدى تجانُس المؤسسة الاقتصادي وقدرةِ الجيش الاقتصادية، علماً أنّ أية بزّةٍ قديمة لم تذهب للتلفِ، بل كان يتمّ شراء البزّة الجديدة وتركُ فترةِ سماحٍ للعسكري مدتُها تتراوح بين السنة وأكثر بين ارتداء القديمة والجديدة.

والمثال على ذلك عند ما تبدَّلَ زيُّ الرنجر الحذاء العسكري – من الأسود إلى الصحراوي – بقي العسكر على ارتدائه الأسود حتى استهلاكه تماماً وحتى انتهاء استهلاك الكمّيات المتبقّية من المخازن، وكذلك الأمر بالنسبة الى البزّات المرقّطة، فيمكن استعمالها في التدريب وداخل المعسكرات ولا شيء يُهدر منها. فلا منافذ للهدر داخل المؤسسة، وهي تُستهلك جميعُها في فترة السماح ومِن الممكن ارتداء القديمة، أمّا أثناء العروض الرسمية فيجب ارتداءُ الجديدة.

مواصفات البزّة الجديدة

تتغيّر المواصفات مع تغيُّرِ التقنيات والتكتيكات العسكرية وتطوّرِها وليس فقط مع طبيعة العرض، إنّما الألوان الترابية كالزيتية والبنية والصفراء الباهتة تبقى هي المهيمنة، والبزّةُ الجديدة عملية أكثر من التي سبقتها من حيث ارتداؤها، كذلك جيوبُها فموقعها الجديد على الأكمام والأرجُل عملي جدّاً، أمّا ترقيطها فهو متناسق ومتجانس مع محيطها وطبيعة الأرض وساحات القتال، كما هو متجانس ومتقارب مع طبيعة لباس المواطنين في المناطق كافة، وليست نافرةً على النظر، أي تتناغم في ألوانها مع المحيط داخل المدينة والجبل والسهول والصحراء.

«بلادك ألبَك عطيها»

يختار الجيش دائماً أجملَ العبارات الوطنية والعاطفية المعبّرة التي تتناسب مع الأجواء السائدة، ولعلّ البارز هذا العام اختيارُه إهداءَ قلبِه للبنان وليس فقط دمائه وشهدائه، فأطلقَ شعار «بلادك ألبَك عطيها» فاعتلى كافّة العارضات على طول الساحل اللبناني، فيما اختار في الصيف «بمجدَك احتميت»، وكان هناك للمرّة الأولى تخَرُّج لضبّاط الحربية في وجود رئيس جمهورية للمرّة الأولى بعد فترة طويلة من الزمن.

أمّا بالنسبة لشعار اليوم فهو انعكاس لمعركة فجر الجرود، وإذا أمعنّا النظر في الصورة، نجدها صورة للمقاتلين في معركة فجر الجرود والتي شكّلت حدثَ العامِ وسطّرت نصراً تاريخياً للبنان، أمّا القلب فهو قلب كلّ عسكري يريد تقدِمة قلبِه لجميع اللبنانيين وليس للجيش فقط، أي أنّ الاستقلال هو لجميع اللبنانيين، والعسكري يقدّم قلبَه لهم جميعهم في عيد الاستقلال من دون تفرقة، ويدعو أيضاَ جميع اللبنانيين من خلاله ومن مواقعهم المشاركة في محبّة الوطن بتقديم قلوبهم في عيد الاستقلال.