الأهم في الاحتفال بعيد الاستقلال الـ74 اليوم، هو مشاركة الرئيس سعد الحريري، بصفته رئيساً لمجلس الوزراء في العرض العسكري الذي يقام في المناسبة بعد ان وصل في ساعة متأخرة من ليل أمس آتياً من القاهرة عبر قبرص حيث التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والقبرصي إيذاناً بأن «الأزمة الحكومية الأخيرة والاشكالية التي احاطتها، عبرت..»، كما جاء على لسان الرئيس ميشال عون في رسالة الاستقلال التي وجهها إلى اللبنانيين، وضعها سلسلة رسائل احداها «للأشقاء العرب» تدعوهم إلى التعاطي بكثير من الحكمة والتعقل، وعدم دفع لبنان باتجاه النار، مشدداً على ان الآمال ما تزال معقودة على جامعة الدول العربية، وثانيها للمجتمع الدولي ليصون استقرار لبنان، وثالثة للبنانيين لعدم السماح للفتنة ان تطل برأسها، فهي الدمار الشامل، ورابعها كانت للجيش والقوى الأمنية التي وصفها «حراس الوحدة الوطنية وحماة الحدود، ليكونوا جاهزين لأداء الواجب والوفاء بالقسم».
الرئيس الحريري، الذي وصل قبل منتصف الليل إلى العاصمة وانتقل من المطار مباشرة إلى ضريح والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري في وسط بيروت، لقراءة الفاتحة عن روحه، ثم الانتقال إلى «بيت الوسط» بعد غياب 18 يوماً كانت حافلة بالتكهنات والاخبار والاشاعات، ايذاناً بإنتهاء مرحلة سقطت معها «خرافة الاحتجاز» في المملكة العربية السعودية، فها هو في بيروت، يحمل التأكيد أن الرئيس الحريري غادر حراً إلى الرياض، وعاد منها حراً..
قرأ الرئيس الحريري عند منتصف الليل الفاتحة عن روح والده وعن أرواح شهداء 14 آذار، شاكراً اللبنانيين، ثم توجه إلى منزله في بيت الوسط، حيث غرد قائلاً عبر «تويتر»: «تاريخ اخوي يجمع أم الدنيا بلبنان» في إشارة إلى الزيارة التي قام بها إلى مصر.
الحريري في بيروت
وحرص الرئيس الحريري قبل عودته إلى بيروت على القيام بزيارة خاطفة إلى قبرص والتقى رئيسها نيكدس اناستسياديس، بعد زيارة القاهرة حيث التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في حضور وزير الخارجية سامح شكري ومدير المخابرات خالد فوزي ومدير مكتب السيسي اللواء عباس كامل، وتخلل اللقاء خلوة بين الرئيسين السيسي والحريري تبعها مائدة عشاء.
ومثلما فعل بعد لقائه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في قصر الاليزيه قبل ثلاثة أيام، لم يشأ الرئيس الحريري الحديث عن الأمور السياسية، مؤكداً ان موقفه السياسي سيعلنه في بيروت، لكنه أشار إلى انه كان له حديث طويل مع الرئيس المصري مبني على استقرار لبنان وضرورة ان يكون هناك في لبنان والمنطقة نأي بالنفس عن كل السياسات الإقليمية وشكر مصر على دعمها، وكذلك الرئيس السيسي على دعمه للبنان واستقراره، آملاً ان يكون عيد الاستقلال اليوم عيد لكل اللبنانيين.
ومن جهته أكّد الرئيس السيسي، حسب ما جاء في بيان صادر عن الرئاسة المصرية عقب اللقاء، على ضرورة توافق الأطراف اللبنانية، ورفض التدخل الأجنبي، مؤكداً على «دعمه الكامل للحفاظ على استقرار لبنان، مطالباً بضرورة قيام جميع الأطراف اللبنانية بالتوافق فيما بينها واعلاء المصلحة الوطنية العليا للشعب اللبناني، ورفض مساعي التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للبنان».
ولوحظ ان الرئيس السيسي أجرى في أثناء وجود الرئيس الحريري في مكتبه بقصر الاتحادية، اتصالاً بالرئيس عون، تمّ خلاله التداول في التطورات الراهنة.
وأوضح المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية ان الرئيس عون، شكر خلال الاتصال الرئيس المصري على الاهتمام الذي ابداه في معالجة الأزمة التي نشأت عن استقالة الرئيس الحريري، وتم التأكيد خلال الاتصال ايضا على أهمية المحافظة علىالاستقرار السياسي والأمني في لبنان.
وعكست عبارة الاستقرار السياسي احتمال ان يكون البحث على المستوى العربي والأوروبي وصل إلى إعادة تعديل التسوية الرئاسية تحت سقف التزام لبنان سياسة النأي بالنفس، في مقابل عودة الرئيس الحريري عن استقالته، وتعهد الدول المعنية بالنزاع الإقليمي عدم التدخل مجددا في الشؤون اللبنانية.
وفي هذا السياق نقلت مصادر عن مقربين من حزب الله عدم ممانعته بل اصراره على استمرار الحريري في ترؤس الحكومة الحالية، أو إعادة تكليفه مجددا في حال تمّ قبول الاستقالة.
ويفترض ان يتقرر هذا الأمر، في الاجتماع الذي سيجمع الرئيسين عون والحريري، بعد انتهاء الاحتفال بالاستقلال اليوم، وغدا، علما انه ستكون للرئيس الحريري استقبالات شعبية في باحة «بيت الوسط» ظهر اليوم.
وفي السياق أوضح مكتب الرئيس الفرنسي ماكرون انه أبلغ الرئيس الإيراني حسن روحاني ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اتصالين هاتفيين بأن من الضروري إبقاء لبنان بعيدا عن الأزمة الإقليمية وانه حث دول المنطقة على العمل بشكل جماعي لتهدئة التوترات.
وأضاف مكتب الرئيس ان ماكرون أبلغ روحاني ونتنياهو ان فرنسا ملتزمة بالاتفاق النووي الذي وقعته طهران مع القوى العالمية في عام 2015 لكنه أوضح ضرورة بحث بعض القضايا الإقليمية وبرامج الصواريخ الباليستية بشكل منفصل.
رسالة عون
وكانت الأزمة الحكومية التي تولدت عن استقالة الرئيس الحريري، قد حضرت بقوة في رسالة الرئيس عون إلى اللبنانيين عشية عيد الاستقلال، سواء عبر الايحاءات أو الرسائل الثلاث التي وجهها إلى اللبنانيين، والدول العربية والمجتمع الدولي، خصوصا وانها أي الأزمة، شكلت بالنسبة للحكم أو للشعب اللبناني اختبارا صادماً وتحدياً بحجم القضايا الوطنية الكبرى يستحيل اغفاله أو السكوت عنها، بحسب تعبير الرئيس عون، الذي سأل ايضا عمّا إذا كان يحوز التغاضي عن واجب وطني فرض علينا لاستعادة رئيس حكومتنا إلى بلده لأداء ما يوجبه عليه الدستور والعرف، استقالة أو عدمها على أرض لبنان؟.. معتبرا ذلك بأنها «مسألة كرامة وطن وشعب أظهر حيالها تماسكا وطنيا فريدا، مؤكدا ان السيادة كل لا يتجزأ سواء على الأرض أو في السياستين الداخلية والخارجية».
وشدّد الرئيس عون على ان ما تلقاه لبنان هو تداعيات الصدامات وشظايا الانفجارات، معتبرا ان لا شيء ينفع في معالجة التداعيات ان لم يقفل باب النزاعات، لكنه في كل الحالات لن ينصاع إلى أي رأي أو نصيحة أو قرار يدفعه في اتجاه فتنة داخلية، مشددا على ان الوطن الذي حرّر أرضه من العدو الإسرائيلي والتكفيري ليس وطنا تسهل استباحته ما دام يعتصم بوحدته الداخلية.
وفي إشارة يمكن ان تكون عاملا مساعدا في إعادة احياء التسوية السياسية الرئاسية، أعاد الرئيس عون التذكير بخطاب القسم في «منع انتقال أي شرارة من النيران المشتعلة حولنا إلى الداخل اللبناني، والتأكيد على ضرورة ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية، والتزامه ميثاق جامعة الدول العربية وبشكل خاص المادة الثامنة منه، مشيرا إلى ان لبنان نأى بنفسه عن النزاعات العربية، ولكن للأسف الآخرين لم ينأوا بنفوسهم ولا بنفوذهم، موجها في هذا السياق ثلاث رسائل في آن، فدعا اللبنانيين الى ان لا يسمحوا للفتنة ان تطل برأسها بينهم لأنها الدمار الشامل الذي لا ينجو منه أحد، واصفاً الجيش والقوى الأمنية بأنهم «حراس الوحدة الوطنية وحماة الحدود».
وفي رسالته إلى الدول العربية، اعتبر عون ان التعاطي مع لبنان يحتاج إلى الكثير من الحكمة والتعقل، وخلاف ذلك دفع له باتجاه النار، داعياً جامعة الدول العربية إلى ان تتخذ المبادرة انطلاقاً من مبادئ وأهداف وروحية ميثاقها. كما دعا المجتمع الدولي إلى أن يصون الاستقرار في لبنان من خلال التطبيق الكامل للعدالة الدولية.
وتطرق إلى مواصلة اسرائيل انتهاكاتها لسيادة لبنان براً وبحراً وجواً، سائلاً: أليس أجدى أن تبادر الأسرة الدولية الى مقاربة جديدة تقوم على الحقوق والعدالة وحق الشعوب بتقرير مصيرها تعالج عبرها قضايا السلاح والتسلح والحروب؟
وفي ما يُمكن ان يكون أول تعليق على مواقف الرئيس عون، غرّد القائم بأعمال السفارة السعودية في لبنان وليد بخاري عبر تويتر، مستعيداً عبارة قالها الأمير خالد الفيصل في بيروت، قبل نحو عام، عندما أعلن: «اننا لا نريد لبنان ساحة خلاف عربي، بل ملتقى وفاق عربي».