عودة العقوبات الاقتصادية على إيران لا تحتاج لموافقة مجلس الأمن، ويمكنها بذلك تجنب الفيتو الروسي الصيني، لكنها تحتاج بالمقابل أن تكون إدارة دونالد ترامب قادرة على تحشيد الاتحاد الأوروبي خلفها
 

بعد سنوات من التعاون غير المباشر بين إيران والولايات المتحدة الأميركية انتهت بتوقيع الاتفاق النووي في العام 2015، عاد التوتر مجدداً للعلاقات بين الجانبين في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ومع تصاعد الضغوط الأميركية على طهران، برز موضوع إعادة تفعيل العقوبات الغربية ليس فقط لعدم التزام الأخيرة بالاتفاق النووي، كما تتهمها إدارة ترامب، ولكن أساسا لكبح نفوذها العسكري والسياسي المتزايد في المنطقة.

والحال أن إلغاء الاتفاق النووي وفرض عقوبات جديدة يحتاجان إلى موافقة كل من الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا، وهو ما يبدو صعباً. تبدي الدول الأوروبية بصورة عامة تمسكها بالاتفاق النووي وعدم رغبتها في فرض عقوبات جديدة. وإذا كان الموقف الأوروبي يبدو قابلا للتغير تحت الضغوط الأميركية، تتمثل العقبة الأبـرز بموقف روسيا والصين اللتين شرعتا مباشرة بعد رفع العقوبات في تطوير العلاقات الاقتصادية.

وبذلك تنضم روسيا إلى موقف صيني قديم طالما كان رافضاً لفرض عقوبات اقتصادية على طهران. بدأت موجة العقوبات الاقتصادية المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني في بداية العام 2000 عندما تزايدت الشكوك حول سعي طهران لتخصيب اليورانيوم، وهو ما اعتبر انتهاكاً للاتفاقيات التي كانت قد وقّعت عليها. وأصدرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة سلسلة عقوبات اقتصادية ضدها منذ ذلك الوقت.

بعد ذلك بسنوات ارتفعت مجدداً الأصوات الداعية لرفع مستويات العقوبات الاقتصادية وحدّتها، ولكن الصين قادت المعسكر المعارض. لم تكن الصين معنية بمساعدة إيران على امتلاك التكنولوجيا النووية فضلا عن السلاح النووي. ففي نهاية المطاف، هنالك إجماع بين الدول الكبرى على عدم انتشار السلاح النووي الذي قد يجعل العمل العسكري التقليدي، الذي تتفوق فيه تلك الدول مستحيلاً. اهتمت الصين أساسا بمصالحها الاقتصادية إذ تعتبر المستورد الأكبر للنفط الإيراني، فضلاً عن الارتفاع المطرد في حجم التجارة بين البلدين.

وافقت الصين وروسيا على قرار لمجلس الأمن في العام 2006 يعطي إيران مهلة زمنية لوقف تخصيب اليورانيوم، ويهدد بعقوبات في حال عدم التزامها. كان التواجد العسكري الضخم للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط عاملا محفزا للموافقة إذ ساد اعتقاد بأن البديل هو عمل عسكري حتمي ستقوم به إدارة مندفعة لا تحسب العواقب هي إدارة جورج بوش.

وفي العام 2007، صوت مجلس الأمن على عقوبات اقتصادية تمنع وصول إيران إلى مواد وتكنولوجيا ضرورية لبرنامجها النووي وتجمد أصولا مالية. صوتت الصين بالموافقة ولكن فقط بعد أن أدخلت تعديلاً على القرار ينص، صراحة، على أن العقوبات لن تضر بالتبادل التجاري بين إيران ودول أخرى.

استمر عدم التزام إيران ومنعها لإجراءات التفتيش الدولية لمواقع مشكوك بنشاطها النووي، وهو ما دفع إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في العام 2009 للتحضير لموجة عقوبات جديدة وواسعة بحيث يكون أثرها كبيرا جدا على الاقتصاد الإيراني، باستهدافها قطاعات النفط والغاز والتكنولوجيا، كما منعت العقوبات الدول من تصدير المشتقات النفطية والتكنولوجيا إلى إيران. وبالرغم من أن طهران تعتبر من أهم الدول المنتجة للنفط، لكنها تستورد نحو 40 في المئة من المشتقات النفطية، أي أن اعتمادها على الخارج كبير إلى درجة تجعل العقوبات الاقتصادية الواسعة شديدة التأثير.

وبعد ضغوط أميركية على الصين تخللها توقيع صفقات أسلحة مع تايوان، ولقاء باراك أوباما الزعيم الروحي لإقليم التبت الدالاي لاما في تحد للصين، والتلويح بأن إسرائيل قد تنفذ عملا عسكريا قد يضرب المصالح الاقتصادية للصين، وافقت الأخيرة على قرار مجلس الأمن في 9 يونيو 2010.

قادت تلك العقوبات إلى كساد اقتصادي حاد في إيران وخصوصاً أنها ترافقت مع تراجع أسعار النفط بدءًا من العام 2010. كما ارتفعت البطالة، وهوت قيمة العملة المحلية وترافق ذلك مع اختبار النظام الإيراني لأول تحد شعبي واسع وخطير تمثل في الحركة الخضراء. ويعتقد الكثير من المتابعين أن تلك الضغوط قادت أخيرا إلى أن توقع إيران الاتفاق النووي في العام 2015.

منذ رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، اندفعت الشركات الروسية والصينية، بتشجيع من طهـران، للاستثمار بصورة عـامة وخصوصا في حقل الطاقة. ويحاول القادة في طهران بذلك تكريس المصالح الروسية- الصينية في الأراضي الإيرانية بحيث تصبح عودة فرض عقوبات اقتصادية على طهران مسألة تهدد تلك المصالح، وهو ما سيعزز من معارضتهما لأي عقوبات مستقبلية.

لكن الاتفاق النووي مع إيران في العام 2015 كان قد تحسب لمثل هذا السيناريو، فابتكر آلية لمنع عرقلة روسيا والصين لعودة فرض العقوبات على طهران، وذلك بتصميم لجنة من ثمانية أعضاء تتضمن الأعضاء الخمسة الدائمين بالإضافة إلى ألمانيا وإيران والاتحاد الأوروبي، وتتخذ قراراتها بالأغلبية؛ أي أن عودة العقوبات الاقتصادية على إيران لا تحتاج إلى موافقة مجلس الأمن، ويمكنها بذلك تجنب الفيتو الروسي- الصيني. ولكنها تحتاج بالمقابل أن تكون إدارة ترامب قادرة على تحشيد الاتحاد الأوروبي خلفها، وقبل ذلك تحشيد الكونغرس الأميركي الذي سيتخذ قرارا بهذا الشأن في وقت قريب.