هل يتمكّن الرئيس ميشال عون من تجنيب لبنان ويلات الأحلاف ومصائبها؟
 

أولاً: كميل شمعون والأحلاف

يذكر فواز طرابلسي في كتابه "تاريخ لبنان الحديث" أنّ لبنان كان منذ نشأته حائراً قلقاً بين الأحلاف الغربية والحياد (الحياد يومها يعني النأي بالنفس في أيامنا هذه). ودارت المعركة الانتخابية الرئاسية في ٢٣ أيلول عام 1952 بين المرشّحين كميل شمعون وحميد فرنجية في ظلّ هذا الانقسام، وقد فاز الرئيس الراحل كميل شمعون في هذه المعركة بعد انسحاب فرنجية من السباق.

وكان شمعون قد وعد بالانضمام للأحلاف الغربية، ومالبث أن برّ بوعده تحت ضغوط الولايات المتحدة الأميركية، والتي كانت ترى في لبنان منطقة استراتيجية بما هو مصبّ للنفط، ومركز تتكاثر فيه وكالات الشركات الأجنبية، وبُنية تحتية جاهزة لإنشاء القواعد العسكرية والمرافئ وشبكات الطرق التي يمكنها أن تخدم أهداف أميركا في حال التدخل العسكري في المنطقة، في هذه الأجواء قام "حلف بغداد" بين عراق الملك فيصل ونوري السعيد وباكستان وتركيا وإيران، واعتُبر حلفاً معادياً للشيوعية، لم ينضم لبنان للحلف، إلاّ أنّ الرئيس شمعون لم يترك مجالاً للشّك في تأييده للحلف بلا تحفُّظ، فقد رفض الانضمام إلى "حلف الدفاع العربي" الذي وقّعتهُ كلاً من مصر والمملكة السعودية وسوريا في آذار عام ١٩٥٥، جواباً على حلف بغداد، ومن "سخرية" التاريخ والأحداث أنّ الملك سعود اتّهم يومها الرئيس شمعون بممارسة الضغوط على الملك حسين الأردني للانضمام إلى حلف بغداد، وهكذا قوّض شمعون السياسة الخارجية العربية الحيادية التي مارسها سلفُه الرئيس الراحل بشارة الخوري، وكان موقفه من حلف بغداد نقطة الخلاف والتناقض مع الرئيس جمال عبدالناصر، واضطراب العلاقة مع سوريا، وما لبث شمعون أن ربط لبنان رسمياً ب"مبدأ ايزنهاور"، ثم عمد إلى تنظيم انتخابات وطنية اشترتها له "السي آي إي" حسب اعترافات أحد رجالاتها، ممّا عجّل في اندلاع ثورة عام ١٩٥٨ الأهلية.

ثانياً: ميشال عون ومخاطر الأحلاف

يبدو لبنان اليوم بعد استقالة الرئيس الحريري المثيرة للجدل، يقف على صفيح الأحلاف الساخن، وتُفاقم حركة وزير خارجية العهد الوضع اضطراباً وبلبلة، صحيحٌ أن لا أحلاف واضحة هذه الأيام في منطقة الشرق الأوسط وسط النيران المشتعلة في أكثر من بلد، ودخول إيران وتركيا من جهة، ووجود العدو الإسرائيلي الدائم من جهة أخرى، ممّا يُعقّد الأوضاع العربية ويجعلها أكثر خطورة.
والسؤال: هل يتمكّن الرئيس ميشال عون من تجنيب لبنان ويلات الأحلاف ومصائبها؟ لعلّ وعسى، لا نملك سوى الأمنيات في ظلّ السياسة الخارجية الهوجاء التي يرتجلها وزير الخارجية في الداخل والخارج، وقد تُؤدي بعض المغامرات غير المحسوبة جيداً، للإطاحة بالنظام لا سمح الله، فضلاً عن زعزعة الكيان، إلاّ ما رحم ربُّك  وشاءت الأقدار.