رئيس الحكومة سعد الحريري “المستقيل” تلفزيونيّاً من الرياض السعوديّة قبل إثني عشر يوماً يُجمع المجتمع الدولي بغالبيّته على الأقل، بعد لقاء قادة منه وزعماء المسؤولين الكبار في المملكة منذ إعلان الاستقالة، على أنه لم يتّخذ قرار الاستقالة طوعاً، وأن وضعه على أراضيها يُقارب الاحتجاز أو ربّما الإقامة الجبريّة رغم الزيارات “المُبرمجة” التي قام بها في الداخل وأبرزها لخادم الحرمَيْن الشريفَيْن الملك سلمان بن عبد العزيز، ورغم زيارته وليّ عهد دولة الامارات العربية المتّحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في أبو ظبي، وأخيراً رغم استقباله زوّاراً دوليّين للمملكة. وكان همّ هؤلاء استجلاء وضعه وترتيب أموره وإعادته إلى لبنان، ومساعدة الأخير على المحافظة على أمنه واستقراره الهشّيْن اللذين هدّدتهما جدّياً استقالته. ويبدو أنهم نجحوا مبدئيّاً. إذ هناك إجماع على أنه عائد قريباً سواء خلال ساعات أو خلال أيّام. طبعاً يتوقّع الأفرقاء الداخليّون كلّهم أن يقدّم استقالته الخطيّة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون. ويتوقّع “تيار المستقبل” الذي يترأّسه وحلفاؤه المسيحيّون وفي مقدّمهم الدكتور سمير جعجع، كما تتوقّع السعوديّة، أن يبحث معه في أسبابها التي أعلنها في “استقالة الرياض”، والتي كرّرها في مقابلته التلفزيونيّة الأخيرة منها وإن بعدما لطّف بعضها مثل “التزام النأي بالنفس”، وأعطى نصفها الآخر حجمها الحقيقي أي الكبير مثل حرب اليمن وتدخّل “حزب الله” وإيران فيها. ولا يستطيع أحد منذ الآن التكهّن إذا كان البحث سيؤدّي إلى تفاهم يُبقي الحريري رئيساً للحكومة بعد رفض عون استقالته، أو إلى تفاهم على استقالة وعلى إجراء استشارات نيابيّة مُلزمة تُعيد تكليفه تأليف حكومة أو تكلّف غيره، وعلى تعمّد تعذّر تأليفها فيبقى مع حكومته مصرّفاً للأعمال حتى انتهاء الانتخابات النيابيّة في أيّار المقبل.
وبما أن العصر الذي يعيشه لبنان هو عصر “حزب الله” و”شعبه”، وبما أن “كلمته” بالغة التأثير في السياسة اللبنانيّة، كان لا بدّ من محاولة معرفة مواقفه من “الأزمة الحكوميّة” إذا جازت تسميتها كذلك، ولا سيّما بعدما فاجأته الاستقالة لغياب أي مقدّمات أو مؤشِّرات لها، ولانسجام الحريري مع “التسوية السياسيّة” التي أنتجت حكومته و”سعادته” بانجازاتها على كل صعيد.
كيف يرى “الحزب” ذلك كلّه؟ يجيب الصديق نفسه الذي يُتابع أخباره ومقاومته وإيران من قرب أن الحريري أُقيل ولم يستقل، وإنّه عمل “تسوية” أثمرت رئيساً للجمهوريّة ثم حكومة وقيل في حينه إن السعوديّة وافقت عليها. وفي مقابلها أعلن أنه أجرى “ربط نزاع” مع “الحزب” حول القضايا الخلافيّة وهي الأكثر أهميّة وأعاد بذلك الشركة إلى السلطة. وهي كانت مفقودة في أثناء الفراغ الرئاسي الذي استمرّ سنتين وسبعة أشهر جرّاء غياب الرئيس المسيحي (الماروني) ووجود رئيسي مجلس النواب والوزراء الشيعي والسُنّي. وهي ستعود مفقودة إذا تمسّك باستقالته وغادر البلاد أو بقي فيها ولكن رافضاً تصريف الأعمال. وسيُثير ذلك مرّة جديدة السُنّة أولاً ثم حلفاءهم من المسيحيّين. في اختصار لـ”حزب الله” في البلاد “كلمة” اليوم و”التسوية” معه جنّبتها نقصاً في المشاركة ومخاطر عدم الاستقرار وأمّنت شبه مشاركة”. ويُضيف الصديق نفسه “أن في “فرض” الاستقالة إذلالا للبنان وللحريري. وأن تصرّف الأخير أثار بعض الشك في أهليّته أو بالأحرى كفاءته السياسيّة، وقد يؤثّر ذلك على مستقبله السياسي جزئيّاً أو كليّاً. وأنه إذا اعتذر عن الاستمرار أو عن تأمين حكومة جديدة فـ”الحزب” سيؤيّد رئيساً لها يسمّيه هو (الحريري). وإذا أراد رئيساً من عائلته فإن النائب بهيّة الحريري أفضل من غيرها كونها عاقلة وحكيمة. لكنّه يريد حكومة فعليّة يشارك فيها هو (أي “الحزب”). ويلفت الصديق نفسه إلى “أن الرئيس عون عالج المسألة الحكوميّة المستجدّة بحكمة وكذلك الوزير جبران باسيل والرئيس نبيه برّي و”المستقبل” والنائب وليد جنبلاط ودار الفتوى. لكن “حزب الله” لا يبدو مستعجلاً. إذ لا بدّ أن يسمع عون وهو معه من الحريري مباشرة أو مداورة دوافع استقالته. وربّما يفضّل البعض صيغة تصريف الأعمال موقّتاً. لكن ذلك يستحيل إذا لم يبقَ الحريري في البلاد أي إذا قرّر الإقامة في الخارج السعودي أو الفرنسي”.
ما رأي “الحزب” في ترشيح الرياض شقيقه بهاء لرئاسة “المستقبل” وللحكومة على ما ردّد البعض؟ يُجيب “الحزب” استناداً إلى الصديق بسؤال: “ماذا يستطيع أن يفعل؟ ما عنده؟ على كل تحاول السعوديّة مباشرة وعبر لبنانيّين استنهاض السُنّة وإثارة عصبيّتهم ضد “الحزب” وإيران وهذا أمر غير مفيد”.