تواجه العلاقة بين حزب «القوات اللبنانية» وتيار رئيس الجمهورية ميشال عون منذ استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، أحد أكبر التحديات منذ المصالحة التي تمت بين الطرفين في العام 2016. فمع عودة الاصطفافات الداخلية بين 8 و14 آذار، يصبح التفاهم السياسي الذي وقّعه رئيس الجمهورية مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، الذي اهتز أكثر من مرة في الأشهر الماضية على خلفية ملفات حكومية شتى، في خطر حقيقي، وبخاصة أن الزعيمين المسيحيين اعتمدا منذ اندلاع الأزمة السياسية الأخيرة نهجين مختلفين في التعامل معها. ففي حين أصر رئيس الجمهورية ومعه رئيس المجلس النيابي نبيه بري و«حزب الله» على حصر الموضوع في مرحلة أولى بعودة الحريري إلى بيروت «ليُبنى على الشيء مقتضاه»، تمسك جعجع بوجوب الانصراف أولاً لمعالجة الأسباب التي دفعته للاستقالة.
وبمسعى منه لاستيعاب المواقف التصعيدية التي أطلقها الرئيس عون يوم الأربعاء، أوفد رئيس «القوات» وزير الإعلام ملحم رياشي إلى القصر الجمهوري حاملاً رسالة إلى عون، دعاه فيها إلى التهدئة وعدم المواجهة مع السعودية، وتفادي مضاعفة الأزمات التي يمرّ بها لبنان، بحسب ما كشفته في وقت سابق مصادر مطلّعة لـ«الشرق الأوسط»، وأكده، أمس، رئيس دائرة الإعلام والتواصل في حزب «القوات» شارل جبور، الذي أشار إلى أن الرسالة «شددت على أهمية العلاقة مع المملكة لمصلحة لبنان كما لمصلحة الرئاسة الأولى والعهد، إضافة إلى كونها أساسية على صعيد تأمين توازن وطني فعلي». وأقر جبور في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن هناك «خلافات وتباينات كبرى مع (التيار الوطني الحر) تتعلق وبشكل خاص بالنظرة إلى سلاح (حزب الله)»، لافتاً إلى أنه «كلما زادت التباينات، تحرك جعجع عبر رياشي لعرض وجهة النظر القواتية على الرئيس عون، وهي نظرة لا تسعى إلا لخدمة المصلحة الوطنية العليا، على أن يعود له الأخذ بها أم لا».
وإذ أكد جبور «الحرص المتبادل القواتي – العوني على الحفاظ على العلاقة بين الطرفين، وعدم العودة بها إلى ما قبل المصالحة و«تفاهم معراب»، وعدم تحويل الخلافات إلى خلاف سياسي كبير من خلال النقاش ضمن الغرف المغلقة»، رجّح أن تكون البلاد «دخلت في لحظة سياسية ستؤدي لعودة اصطفافي 8 و14 آذار؛ ما سيؤدي إلى تلاحم القوى السيادية مجدداً، وعلى رأسها (القوات) و(المستقبل)». وأضاف: «نحن نتوقع من الرئيس عون، ومن موقعه الدستوري أن يكون على مسافة واحدة من الجميع، وأن يبقى جسراً بين 8 و14 آذار كما بين الدول العربية».
وتتلاقى الرؤيتان القواتية والعونية على أن ما بعد استقالة الحريري لن تكون كما قبلها. وتتحدث مصادر قيادية عونية لـ«الشرق الأوسط» عن «هزة سياسية كبيرة أحدثتها الاستقالة تركت ارتداداتها على الأصعدة كافة، كما على علاقة (القوات) – (التيار)»، لافتة إلى أن «التصريحات القواتية التي تلت الاستقالة لا تنسجم مع موقفنا من الأزمة علماً بأننا كنا ولا نزال نسعى لاستيعاب الخلافات بوجهات النظر والتمسك بالمصالحة التاريخية التي تم توقيعها في العام 2016». 
السؤال الذي تطرحه المصادر العونية، يصيغه عضو حزب «القوات» النائب فادي كرم من زاوية أخرى، حين يسأل ما إذا كانت «عودة الحريري إلى لبنان ستتم بناءً على ما كان قبل الاستقالة لجهة انحياز لبنان إلى سياسة المحور الإيراني، أم أنها ستكون عودة لتسوية حيادية تحفظ لبنان من أضرار ما يحدث في المنطقة؟»، مشدداً في حديث إذاعي على أن «الحكمة تقول أن يكون لبنان على أحسن العلاقات مع الدول العربية ودول الخليج والسعودي، ويبتعد عن سياسة المحور الإيراني المعروفة التي لها أهداف تعني سياستها الخاصة بها»، لافتاً إلى أن «الحكمة اللبنانية يجب أن تكون نحو تهدئة الأمور بناءً على تسوية جيدة تحفظ حياد لبنان».
وأعرب كرم في حديث إذاعي عن أسفه، «لأن (حزب الله) عندما حقّق بعض الانتصارات في سوريا والعراق، اعتبر أن المسألة يمكن تحويلها إلى انتصار سياسي على حساب الشعب اللبناني، وفي المقابل كانت هناك مواقف متهاونة أمامه لإبعاد أي تشنّج والمحافظة على استقرار لبنان الداخلي». وأضاف: «تبين أن (حزب الله) لم يقدّر هذه السياسة التي استوعبت ضرباته وسحب لبنان إلى المحور الإيراني، واستمر بمحاولات أكبر ولم يتوقّف أمام النية الحسنة للحريري ولغيره، من أجل تحييد لبنان من أي اضطرابات داخلية».