رفع الرئيس اللبناني ميشال عون سقف التخاطب السياسي مع القيادة السعودية وتبعه الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى سقف أعلى. هذا يلحق الحكم اللبناني شكلاً بإيران، ولا يحمل فائدة إلى الرئيس سعد الحريري الذي سيعود إلى وطنه ليرأس الفريق السياسي المناهض للنفوذ الإيراني، في مهمة صعبة لكنها ضرورية لحفظ التوازن الوطني وانتماء لبنان إلى محيطه.
لبنان والمنطقة منشغلان بالسجال السياسي الحاد، من دون الانتباه إلى حدث لبناني- سعودي مهم هو استضافة الملك سلمان بن عبدالعزيز بطريرك الموارنة بشارة الراعي في الديوان الملكي في الرياض. إنها الزيارة الأولى لرأس الكنيسة المارونية إلى المملكة العربية السعودية، الدولة المرجع للعرب ولمسلمي العالم، وتندرج الزيارة في باب الحوار الإسلامي- المسيحي ولقاء الأديان في محاربة الإرهاب.
تكفي صورة حضور البطريرك في مجلس خادم الحرمين وولي العهد الامير محمد بن سلمان، لتكوين رسالة إلى العالمين المسيحي والإسلامي تتضمن إشارات عدة، نذكر منها:
- تأكيد اعتراف المملكة العربية السعودية القديم والمتجدّد بوحدة المجتمع في لبنان والمشرق العربي، واعتبارها تعدّد الأديان غنى للمجتمع لا عامل ضعف ولا تهديداً بتفتيت وانهيار.
- تأكيد الصداقة السعودية- اللبنانية العريقة، واهتمام الرياض بسلامة لبنان واللبنانيين، والدعوة إلى النأي عن الحروب الدموية في الداخل العراقي والسوري. وهذا يتأتى من الضغط لعدم تدخّل الأفراد أو الجماعات السياسية والأهلية في تلك الحروب، والإشارة تتجه بالدرجة الأولى إلى «حزب الله» الذي يعترف علناً بالقتال أو المساعدة على القتال في سورية والعراق، وحتى في اليمن.
- تنبيه المسلحين الإسلاميين المتطرفين إلى أن استقبال خادم الحرمين الشريفين حبراً مسيحياً شرقياً هو دعوة إلى التعايش والتعاون بين الأديان السماوية والمؤمنين بها في العالمين العربي والإسلامي، وأن قراءات الغلاة وفتاوى التكفير التي أزهقت أرواحاً بريئة في المشرق وهدمت قرى ومدناً، لا يعتمدها المسلمون بل يناهضونها ويحاربون دعاتها ويطلقون الصوت للعون ضد المسيئين للإسلام الذين يحاولون وضعه في مصاف الإرهاب وملهماً للإرهابيين.
- التنبيه نفسه يتجدّد في خصوص مصر، مع التذكير باستقبال الملك سلمان في إحدى زياراته للقاهرة البابا تواضروس، فأقباط مصر اللصيقون ببواكير التاريخ الإسلامي تعرضت كنائسهم، نعني معظمهما، للتهديم نتيجة فتاوى متطرفين، وجرى دفعهم إلى هامش الجماعة الوطنية بفعل واعٍ أو غير واع حتى من فئات سياسية معتدلة.
ولا يستقيم المجتمع المصري إلا على قاعدة المواطنة، وأن تكون مساواة في الحقوق والواجبات، بحيث يسترجع القبطي أجواء الوحدة الوطنية في ثورة 1919، تلك التي جرى إطفاؤها بأيدي الضباط قادة ثورة 1952 ثم بأيدي «الإخوان المسلمين» وسائر المعادين لمبدأ الدولة والمواطنة.
هذه الأخطاء أو الخطايا يأتي تصويبها عبر استقبال خادم الحرمين بطريرك الموارنة وقبل ذلك بابا الأقباط، والطائفتان هنا رمز لمسيحيي العالم العربي المتجذرين في تاريخ المنطقة وحضارتها.
- الحوار مطلوب دائماً بين الجماعات الدينية في الدول العربية، بما يحفظ وحدة المجتمع على قاعدة التنوّع، وتعميم المواطنة القائمة على الحق والواجب. وهو حوار داخل المجتمعات العربية، وليس له علاقة بالحوار مع الغرب الأوروبي والأميركي، بل ينبغي أن لا يتوهّم أحد هذه العلاقة فيصوّر لنفسه أن العربي غير المسلم غريب عن أهل البلاد، والواقع أن المسيحيين العرب جزء من الأصل كما يقرّ التاريخ وما بقي من تراث محقق.