قبل إستقالة الحريري كان لبنان مملًا لا شيء فيه يبعث على الإطمئنان وكان اللبنانيون يقطّعون أوقاتهم بسجالات عقيمة
 

كل الأجهزة والمؤسسات إشتغلت وأصبح لها دورًا بارزًا بعد أن نامت طويلًا لعدم توفر شغل لها وكل السياسيين في السلطة وخارجها كانوا نيامًا أو قعودًا أو يراوحون أماكنهم دون حراك يُذكر حسنًا فعل الحريري أو فعلت السعودية فالنتيجة واحدة طالما أن هزة الإستقالة شملت الجميع ولم يبق خارج ارتدادتها أحد فالكل شعر بها أو اهتز من مكانه ووقع مما هو مستند عليه سواء كان حائط وزارة أو كرسي نيابة.
قبل إستقالة الحريري كان لبنان مملًا لا شيء فيه يبعث على الإطمئنان وكان اللبنانيون يقطّعون أوقاتهم بسجالات عقيمة حول قانون الإنتخابات وموعدها وعمل اللجان وما توصلت إليه وما فتحت من ثغرات في جدار المصالح لهذه الجهة أو تلك في ظل غياب تام لأي إهتمام رسمي بالمشاكل التي تحيط بالمواطن وما سلسلة الرتب والرواتب إلاّ خدعة لتهدئة أهوال الناس الذين تضرر أكثرهم منها إذ لم يستفيدوا منها بل تحملوا وزرها وأعباءها.

إقرأ أيضًا: الحريري زعيم بدون سلاح وصواريخ

بعد الإستقالة عاد لبنان إلى حيويته المعهودة فنشطت الماكينة السياسية والدبابة الإعلامية أطلقت مدافعها بكل اتجاه وأخرج الجميع بذلاتهم الرسمية من خزائن طموحاتهم وتحركوا يمينًا وشمالًا معبدين طرُق الوظيفة السياسية ومستنكرين لإستقالة بطل من لبنان ضامن للأمن والإستقرار السياسي والإقتصادي وللتوازن الطائفي وللشراكة السياسية والدستورية وعناوين أخرى لا يعرفها فريق الحريري نفسه بل إرتجلها فريق 8 آذار وحثّ عليها واعتبرها بمنزلة الميثاق التاريخي كون الحريري قطب الرحى في الحكومة وفي التوازن الداخلي ودونه تعطل الدساتير ويخرّب لبنان وتسقط السياسة فهو المرجع الصالح للخير العام وباتت إستقالته تهديدًا لا يقارن بتهديد العدو ولا بتهديد الإرهاب فالحريري مقاومة وطنية أجمع عليها اللبنانيون ولا مبرر لسحب سلاحها السياسي طالما أنها ضمانة أكيدة للبلاد والعباد.
جديد هذه الحركة الناشطة الملاحة الدبلوماسية على عواصم غربية لتحصيل موقف غربي يطلب من المملكة الإفراج عن الرهينة اللبنانية لعودة السلامة إلى لبنان بعد أن جرفته سيول الإستقالة ودفعت بأبنائه إلى إستهلاك قدراتهم في فحوى الإستقالة وتبرير ردود الفعل عليها باستنفار عام وحشد هائل لم يعرفه لبنان زمن الإحتلال وزمن الظروف الصعبة من تاريخه السياسي والأمني.

إقرأ أيضًا: إستقالة الحريري والنشرة الإخبارية
للأسف مزارع شبعا وتلال كفرشوبا باتت غير محتلة وأصبحت إستقالة الحريري هي الأرض المحتلة وعلينا العمل لتحريرها من العدو السعودي والإفراج عن سعد الحريري كي يتحرر لبنان وتعود له السيادة المنقوصة بفعل الإستقالة فلم يتوفر للأرض المحتلة ما توفر لإستقالة سعد الحريري فلا إعلام مدفوع الثمن لشحذ الهمم من أجل قضية وطنية ولا سياسة رسمية وغير رسمية محتشدة خلف الأرض المحتلة ولا شعب معني إلاّ بالهرطقات الطائفية التي تدغدغ عصبيته فيتسمر على الشاشات مستهزئًا ومرتاحًا لحديث هنا أو هناك لمحلل لا علاقة له  بمادة التحليل السياسي بل بمواد سامة يرشها في عيون وآذان المشاهدين الذين يستسيغون شراب السُم الطائفي والمذهبي والحزبي.
إنه الخوف من المجهول القادم وطالما أنهم خائفون لماذا يذهبون باتجاه العداوة؟ وإذا كانوا أقوياء لماذا كل هذا الإستنفار السياسي والشعبي والدبلوماسي والإعلامي والدستوري والإقتصادي والإقليمي والدولي؟ لم يبق أمام اللبنانيين إلاّ الذهاب إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن ليحصّلوا قرارًا دوليًأ بعودة الحريري فينضم القرار الدولي الجديد بحق الحريري إلى القرارين 1559 و 1701.