يعاني الكثير من الأشخاص أوجاعَ الظهر. تتمحور هذه الأوجاع، على العامود الفقري، وصولاً إلى أسفل الظهر. تختلف آلامُ الظهر بإختلاف المسبّبات، ويمكن التكلّم في هذا الصدد عن الإلتهابات الخفيفة بسبب الإجهاد أو إلتهابات فقرات العامود الفقري وصولاً إلى "الديسك" ووجع العضلات...

بعض هذه الأوجاع، يكون سببه فزيولوجيّاً والبعض الآخر نفسي بإمتياز، حيث أكّدت دراسات نفسية عدة وآخرها من جامعة "أوهايو" الأميركية، ونشرتها مجلة Psychologies على موقعها الإلكتروني أنّ هناك ترابطاً وثيقاً ما بين "أوجاع الظهر والعوامل النفسية". ما هي علاقة علم النفس بأوجاع الظهر؟ كيف يفسّر العلم هذه الأوجاع وأسبابها الفزيولوجية والنفسية؟ وماذا عن الوقاية؟عندما يزور مريض يعاني من وجع ظهره معالجاً فزيائياً، تتركّز الزيارة أوّلاً حول كشف الأسباب الفزيولوجية لهذا الوجع، لذا يطرح الاختصاصي على المريض أسئلة شتّى حول آلام الظهر وطريقة النوم والجلوس... وعندما يتأكد المعالج الفزيائي ألّا سببَ جسديّاً لهذه الأوجاع التي تدوم على رغم تناول الأدوية المضادة للآلام... يطرح أسئلةً حول حال المريض النفسيّة. وفي كثير من الأحيان، يتمّ توجيهُ المريض عند الاختصاصي النفسي لتخفيف آلامه.

الأسباب

تنقسم أسبابُ أوجاع الظهر الأكثر شيوعاً إلى قسمين: الأسباب الفزيولوجية أو الجسدية والأسباب النفسيّة. يفسّر الدكتور حسن كركي، رئيس قسم العلاج الفزيائي في الجامعة اللبنانية، كلية الصحّة العامة (الفرع الأوّل)، أنّ "العامود الفقري هو عامل أساس في أوجاع الظهر، وتتركّز مشكلاته الصحية على أوجاع في القسم الأمامي منه أي الغضروف الأمامي والذي يؤدّي إلى الديسك".

وإذا أردنا تفسيرَ ما هو "الديسك"، بكلمات بسيطة، يُعْتَبَر "الديسك" نوعاً من أوجاع الظهر بسبب ضغط على فقرات العامود الفقري. يؤثر هذا الضغط على أعصاب وأوتار الظهر وبالتالي يؤدّي إلى أوجاعٍ لا تُحتمل عند المريض.

وإلى ذلك، يضيف الدكتور كركي، بأنّ "النشفان وتمزّق الأربطة بين كل فقرتين في القسم الخلفي للعامود الفقري، يؤدّي أيضاً إلى أوجاع الظهر.

كما من أسباب أوجاع الظهر تشنّجات عضلات العامود الفقري. سبب هذه التشنّجات يمكن أن يكون فزيولوجيّاً (مثلاً إلتهاب حاد) أو حتّى نفسيّاً (قلق مفرط)".

ويضيف د. كركي بأنّ "مدة الوجع والتشنّج العضلي مؤشران أساسيان لمشكلات الظهر. فإذا إستمرّت الأوجاع لأكثر من 3 أشهر، ستؤثر بشكل مباشر على الحالة النفسية للمريض الذي سيشعر بعدم القدرة على القيام بتحرّكات اعتاد القيام بها من قبل.

هذا التأثّر النفسي سيؤثر بدوره على الحالة الجسدية للمريض الذي سيدخل ضمن دائرة مفرغة. لذلك من المهم التأكّد من الحالة الفزيولوجية لظهر المريض، ثمّ الإنتقال لمعالجة الحال النفسية إذا لم يتّضح للمعالج الفزيائي أيّ سبب جسدي لهذا الوجع".

أوجاع الظهر والقلق... قصّة طويلة

أصبح من المعروف أنّ القلق يظهر "عندما يكون هناك عدم توازن بين الضغوطات الحياتية والقدرة على مواجهتها". ويضيف رئيس قسم العلاج الفزيائي، بأنّه أحياناً يكون القلق عاملَ تحفيزيّاً لإضطرابات أوجاع الظهر، فالقلق يؤدّي إلى "شدّ العضل" وخصوصاً عضلات الظهر والعامود الفقري.

وبسبب الضغط الكبير الذي يتكبّله الظهر وعضلاته لفترة طويلة جراء مشكلات نفسية-إجتماعية أو حتّى عائلية... تظهر أوجاعٌ يكون سببها نفسيّاً بإمتياز، خصوصاً في القسم الأعلى من الظهر، في منطقة الرقبة والأكتاف.

كما أنّ القلق يؤثر على التشنّجات في المعدة، والمصران ما يؤدّي إلى عسر الهضم. هذه التشنّجات في الأعضاء الداخلية مربوطة بالعامود الفقري، وتؤدّي إلى أوجاع في أسفل الظهر".

ويلخّص كركي قائلاً إنّ "القلق لفترة طويلة، يؤدّي بطريقة غير مباشرة إلى أوجاع في أسفل الظهر وبطريقة مباشرة في أعلى الظهر. وإنّ ممارسة الرياضة، والإسترخاء وعدم كبت المشاعر وتناول الطعام الصحي... عوامل تساعد على التخفيف من آلام الظهر وإخفائها".

الدراساتُ العلمية

عوامل كثيرة تؤدّي إلى أوجاع الظهر المرتبطة بالعامل النفسي، وتجعل من المريض سجينَ آلامه الجسدية والنفسية. ويؤكّد الدكتور حسن كركي، أنّ "العلماءَ والاختصاصيّين بالعلاج الفزيائي، أجمعوا على أنّ تداخلَ العامل النفسي بالعامل الفزيولوجي يؤدّي إلى مشكلات جمّة في العامود الفقري والظهر".

ويضيف: "عندما يقوم الطبيب بوصف بعض الأدوية لتهدئة الأعصاب وأدوية مضادة للقلق والإكتئاب، يجب الإلتزام حرفياً بما يطلبه إذ لهذه الأدوية هدفان:

أولاً، معالجة أوجاع الظهر بطريقة مباشرة عبر إرخاء العضلات المتشنّجة.

ثانياً، معالجة الوضع النفسي للمريض. فعندما يصبح المريض، مرتاحاً ومسترخياً وغيرَ قلق، يرتاح جسدياً وبالتالي تختفي أعراضُ أوجاع ظهره، والعكس صحيح. لذا طلب المساعدة من الاختصاصيّين أساسي لمعالجة أوجاع الظهر وأيضاً جميع الإضطرابات الجسدية والنفسية".

... والوقاية؟

إلى ذلك، يعتبر د. كركي بأنّ "العاملَ الأساسي لمعالجة أوجاع الظهر هو التشخيص الصحيح لمعرفة أسباب ما وراء هذه الأوجاع. كما يجب تنفيد العامل النفسي والفزيولوجي للتأكّد من الحالة. هنالك مرضى كثر، لم تتم معالجتُهم لأنّ العامل النفسي وهو عامل أساسي في العلاج لم يُؤخَذ في الإعتبار.

ويمكن الوقاية من أوجاع الظهر من خلال:

• النوم على فرشة جيدة، يجب أن لا تكون قاسية جداً ولا طرية جيداً بحيث تأخذ شكل الجسم وتوزع الوزن على كل مساحتها.

• عدم حمل أوزان كبيرة وبطريقة غير مناسبة.

• عدم قيادة السيارة لفترات طويلة وبشكل يومي.

• ممارسة الرياضة بشكل منتظم وخصوصاً السباحة مع الإنتباه إلى أنّ الرياضة في النوادي التي تعتمد على رفع أوزان ثقيلة قد تكون سبباً لأوجاع الظهر.

• تجنّب القلق المستمر والطويل قدر المستطاع وطلب المساعدة من المعالج النفسي عند الحاجة.

• تخفيف الوزن.

• عدم التعرّض للبرودة بشكل كبير ومستمرّ".

(د. انطوان الشرتوني - الجمهورية)