ألم تشاهدوا كرمى للعيون هاجر الأب تاركًا عياله والأخ أخاه والجار جاره بحثًا عن لقمة العيش والأمان؟!
 

هكذا يشرد الوطن عندما يسخِّرون عقولكم وعواطفكم لكل سمسارٍ ومشترٍ من الدجالين والخداعين والمنافقين،لكي يتلاعبوا بكم ويتاجرون بقضيتكم وألمكم وحزنكم وفقركم، وجعلوا منكم دمى تتحرَّك متى يشاؤون ويريدون، ويحيكونكم بخيوطها بين أصابعهم، أصابع الأفذاذ من القادة والسادة، يحركونها وفق مصالحهم ومصالح الأسياد في جميع الأقاليم.
وهكذا يبتاعونكم ويبيعونكم بأبخس الأثمان في سوق الطائفية والصراعات المحلية والإقليمية والدولية، يستوردون لكم الشعارات واليافطات واللافتات التي زرعوها في كل مدينة وقرية وشارع وحي وطريق، بل في كل بيتٍ وغرفة حتى زرعوا الأوهام في نفوسكم، فحلَّت في الديار والدور والبيوت البغضاء، فشتت شملكم، وجاعت الطفولة وغيَّم الخوف في سماء سطوح القرية، إنها تجارة رابحة للقادة والأسياد، يسرها لهم الرب الأعلى فكانت تجارتهم هي المنتجة والرابحة، وأنتم في الأسواق تجارتكم هي الفاسدة والكاسدة والخاسرة.

إقرأ أيضًا: محنة الحريري أم محنة وطن؟
إتهمتم والتهمة جاهزة، وخوَّنتم والخيانة لا تحتاج إلى دليل بل هي واضحة وضوح شمس النهار، كفَّرتم إنه الكفر بعينه، وتآمرتم ونظرية المؤامرة جاهزة وحاضرة، ولكن لن تتآمروا إلا على بعضكم البعض، ولن يسيطر عليكم إلا التعصب والجهل والسخافات والخرافات.
 لم يعد في الثقافة أي قيمة للبحر والنهر والتراب والشجر والحياة وأي قيمة لمعنى الحياة والإنسان بقدر ما يشغل الحال والبال هو الغزو والجهاد والمغانم والمكاسب حتى مزقت هذه الأمة وهذا المجتمع وهذا الشعب إلى ما يشبه الدكاكين والإقطاعات حتى تحولت إلى كهوف وسجون تحكَّمت في سلاسل أقفالها متاريس صلدة وفولاذٍ محكم.

إقرأ أيضًا: هل وقعت إيران في الفخ..؟
هي المأساة والمعاناة والتعب والفقر والجوع والمرض، حتى أصبحت مأساتكم هي ملهاة في سياستهم ومصالحهم، وملهاتكم هي كل المأساة والأحزان، تستهزؤون بكل رأيٍ وتحوِّلون الرأي العام العربي والإسلامي إلى سخرية وبعيونٍ إزدرائية، وتشيحون بوجوهكم عنه وعن كرامة شعبه، وما زلتم تسربلونه من بين ألسنتكم وأصابعكم، ترفعون شعاراتكم وتقبلون اليوم ما ترفضونه بالأمس، وعدوكم اليوم هو صديق الأمس وكذا العكس، تعلكون الدين وتقسمون بربه ثم تحنثونه ما درت عليه مصالحكم.
 ألم تلاحظوا كرمى لعيون فلان وعلتان نحش في الأجساد الفساد والمرض، وأمضى العمر والشباب في الفقر والبطالة واليأس؟!
 ألم تشاهدوا كرمى للعيون هاجر الأب تاركًا عياله والأخ أخاه والجار جاره بحثًا عن لقمة العيش والأمان؟!
هكذا تشرد الأوطان والبلاد والشعوب عندما يزداد في كل يوم الخوار والتمزق والتشرذم والضعف والدكاكين المفتوحة في كل إتجاه، حينها يسيطر التعصب والسب والشتم والضغينة والحقد والطمع والجشع فينهار الجدار والسقف على الجميع.