فقد الشيخ سعد وخسر ما ربحه من أبيه ومن ثورة الأرز وكانت تسويته الأخيرة والمحاصصة المربحة لفريق 8 آذار والتي أنهت فريق 14 آذار وجعلت منه مشروع مسودة سياسية مستقبلية
 

ورث الرئيس سعد الحريري رصيد أبيه الذي صرفه دفعة واحدة بعد أن أصبح زعيماً لطائفة دون منافس ولجهة تضم فحول السياسة اللبنانية من قيادة التقدمي إلى الكتائب والقوّات ودون منافس ولوطن دون منافس ولدولة دون منافس رغم صغر سنه السياسي والعمري وفقدان تجربته لحكمة الدهاقنة من أهل الحلّ والربط في أمور السياسة والزعامة .
على مدى سنين الوراثة والشيخ يصرف من رصيد أبيه ورصيد الشعب الذي إحتشد خلف السيادة والحرية ورفض الوصاية من خلال مساومات وتسويات جعلت منه ضرورة سياسية لا غنى عنها طالما أن النظام الطائفي في لبنان يحتاج إلى شخص وازن ومقبول في طائفة جامحة نحو التطرف ولكن دون قيادة تقود مرحلة عصيبة لفراغ سلّة القيادة من قائد متمكن ومتمرس وقادر على إلتقاط اللحظة التاريخية في ظل شعور تتنامى فيه يومياً وتتملكه الرغبة الجامحة للعودة إلى المرحلة الذهبية في فترة الرئيس رفيق الحريري .
لقد فقد الشيخ سعد وخسر ما ربحه من أبيه ومن ثورة الأرز وكانت تسويته الأخيرة والمحاصصة المربحة لفريق 8 آذار والتي أنهت فريق 14 آذار وجعلت منه مشروع مسودة سياسية مستقبلية إذا ما تغيّرت التوازنات اللبنانية بقدرة قادر أمريكي وأربكت تيّار المستقبل داخل طائفته وزادت من النقمة على الحريري وكانت إستطلاعات الرأي حتى آراء فريق 8 آذار تشير إلى خوف الحريري من الإنتخابات النيابية لضعفه الطائفي لذا إتهم بأنه من يضع العصي في دولاب الإنتخاب النيابي لمعرفته بتدني حجم نفوذه في وسط كان واضحاً في التعبير عن سخطه من الحريري في الإنتخابات البلدية .

إقرا أيضا: إستقالة الحريري والنشرة الإخبارية

كان الحريري إلى ما قبل الإستقالة راضياً بمحاصصة حزب الله ومنسجماً معه في إدارة الحكومة رغم إمتعاض البعض داخل تيّار المستقبل والكثيرين داخل الطائفة وداخل من تبقى في صفوف 14 آذار وجاءت الإستقالة الطوعية أو الكرهية لتسهم في تعزيز وضع سعد الحريري على المستوى الطائفي وعلى المستوى اللبناني وبات ضرورة الضرورات اللبنانية ويبدو أن أي ّ إجماع لبناني لم يحصل  لأحد من الرئاسات إلى غيرها كما هو حاصل اليوم للرئيس سعد الحريري لا في الماضي ولا في الحاضر وهذا ما أعطاه دفعة واحدة ما خسره من سنين المساومات والتنازلات وكرّست زعامته من أعدائه قبل أصدقائه ففريق 8 آذار أعجز عن إدارة حكومة دون الحريري وغير قادرة على قبول إستقالته تحت حجج وتبريرات واهية رغم أن لهذا الفريق شهادات مرسبة للحريري وغير منجحة له لفقدانه لأهلية الرئاسة وقد عابوه كثيراً وانقلبوا عليه أكثر من مرّة ومن ثم عادوا إليه لينجيهم من محنة هنا و أزمة هناك .

مع الإستقالة وردود فعل أخصامه عاد سعد الحريري زعيماً لا بالوراثة التي صرفها ولا بالثورة التي خذلها ولا بالقوّة التي لا يملكها فلا حزب لديه ولا سلاح بيديه ولا حارب الإستعمار ولا ضرب المحتل ولا شيء مما يملكه الآخرون من جهابذة الطبقة السياسية وكل ما يملكه هو وسطية الموقف وسلطة الإعتدال وقد كرسه من نفاه أكثر من مرّة زعيماً وطنياً إجماعياً وهذا لم يتوفر لأحد من القدماء لا لكمال جنبلاط ولا لكميل شمعون ولا لرشيد كرامي ولا لرفيق الحريري نفسه إذ أن من رفض الأب يؤيد الإبن الآن وهذا ما جعل من الرئيس الحريري رئيساً وزعيماً محمولاً على أكف أخصامه من السياسيين إلى الجماهير التي لم تتوقف عن سبه وشتمه إلى لحظة الإستقالة ومن ثمّ مالت كل الميل إليه بعد أن ساد صمت إجرائي وعلا صوت مرتفع النبرة وحاد بعودة الحريري لا رئيساً للحكومة فحسب بل كضامن فعلي وحقيقي للأمن وللإستقرار السياسي والإقتصادي وللوحدة الوطنية التي لا تتجلى إلاّ بالحريري نفسه ولا إمكانية لفرضية أخرى حتى لا من حواشيه بل من خصومه الذين أعطوا لإستقالته بعداً مرتبطاً بمصير لبنان .
سبحان مغيّر الأحوال .