على خُطى بلديَتي زغرتا وبشرّي، تسير بلديّة الحدث، وتتعاظم مأساة النازحين هذه المرّة نتيجة تزايد عددهم في هذه البلدة، نسبةً لقربها من العاصمة بيروت. فأيّامٌ تفصل بين مئات العائلات السوريّة التي اختارت الحدث مأوىً لها من شرور الحرب، وبين صقيع الشارع على مشارف فصلٍ لن يكون أكثر دِفئاً على أجساد أطفالٍ هربوا من الحروب المُدمِّرة فوجدوا حروباً إنسانيّةً لا تقل دماراً عن الأولى.

منذ أيّامٍ تمّ إبلاغ مئات العائلات السوريّة التي تعيش في نطاق بلديّة الحدث، بترك منازلهم خلال مُهلة عشرة أيّام. وبحسب جمعية "إنقاذ الطفل الدوليّة"، حوالي 28 عائلةً اضطرّت إلى الخضوع للقرار وترك منازلها، لكن العديد من العائلات لم يجدون حتّى الآن بديلاً للسكن، وهم يُواجهون العديد من الضغوط النفسيّة لإجبارهم على الرحيل.

في هذا السياق، يؤكّد رئيس بلديّة الحدث جورج عون لـ"ليبانون ديبايت" على أنّ إجراءات بلديّة الحدث التي تقتضي ترحيل السوريّين، تأتي في إطار تطبيق القانون، تحديداً قرار الوزارة الذي سبق أنْ طلب بموجبه وزير العمل محمد كبّارة من البلديّات المساعدة في تطبيق القانون وضبط المُخالفات غير الشرعيّة، وهو قانون يُحدّد الأعمال التي يُسمح للسوريّين بممارستها، (عامل زراعي، عامل باطون، أو عامل تنظيفات).

ولا ينكر عون أنَّ قراره يُطاوِل كلّ السوريّين المُقيمين في الحدث، ويُبرّر ذلك "بعدم حيازة السوريّين على الأوراق القانونيّة اللازمة"، وأنّهم يسكنون في ظروفٍ لا إنسانيّة، فـ"كل عائلتين في غرفةٍ واحدة، وهو وضعٌ لا نسمح فيه لا أخلاقيّاً، ولا اجتماعيّاً، ولا إنسانيّاً، ولا أمنيّاً، والأمن يأتي في مقدمة أسباب تنفيذ القرار"، وأنّ "ما يقارب الـ90 في المئة من المناطق السوريّة أصبحت هادئةً، وما من مانعٍ يحول دون عودتهم إلى قُراهم ومُدنهم التي أتوا منها".

ويلفت عون إلى أنَّ "أمور الترحيل تسيرُ على ما يُرام، فأغلب السوريّين غادروا، وهناك عائلات ستُغادر خلال الأيّام القليلة المُقبلة". وعن عدد السوريّين الموجودين في الحدث، يقول عون "بالكاد يفوق الـ 2000 نازح"، ويُؤكّد على أنَّ لا استثناءات في القرار لأيٍّ من العائلات فـ"لا أحد منهم يمتلك الإطار القانونيّ للسكن".

جمعيّة "إنقاذ الطفل الدولية" تنبّهت لهذا القرار، وطالبت بإيقافه فوراً، لما يترتّب عليه من نتائج كارثيّة على المستويين الإنسانيّ والاجتماعيّ.

وتنفي مديرة الإعلام والمناصرة والتواصل في جمعية "إنقاذ الطفل" عليا عواضة، أنْ يكون العدد الذي طرحه رئيس بلديّة الحدث لعدد النازحين السوريّين الموجودين في نطاقه البلديّ صحيحاً. فـ"معلوماتنا كجمعيةٍ تهتمّ بأمور النازحين، ومن جمعيّاتٍ دوليّةٍ ومحلّيةٍ تعمل مع العائلات السوريّة الموجودة في نطاق بلديّة الحدث، تقول إنّ عدد العائلات السوريّة في الحدث يصلُ إلى 800 عائلة، أي ما يُقارب الـ6000 نازحٍ ونازحةٍ سوريّة، بينهم 3200 طفلٍ وطفلة".
وتدعو عواضة المعنيّين والجمعيّات الأهليّة لضرورة التحرّك لمناهضة هذا القرار وأيّة قراراتٍ مُشابهة، انطلاقاً من اعتبارين: أوّلاً "توقيت الترحيل، فالقرار يتزامن مع أقسى الفصول، ومهلة أقلّ من 10 أيّامٍ غير كافيةٍ لتجد العائلات البديل، في ظلِّ وجود صعوبةٍ كبيرةٍ للحصول على سكنٍ في كلّ بيروت لا سيّما في المناطق المُحيطة بمنطقة الحدث".

وثانياً، "أطفال هذه العائلات، وتنقسم مأساة الأطفال هنا والذين يتجاوز عددهم الـ3000 طفلٍ وطفلة، على مستوى تأثّرهم بقرار الترحيل إلى صعيدين: الأوّل مُتّصل بالتعليم، فالأطفال سبق وسُجِّلُوا في المدارس المُحيطة، وسيجدون صعوبةً بعد الانتقال في الالتحاق بمدارس أخرى، وبالتالي هم مُهدّدون بخسارة العام الدراسي، لا سيّما أنَّ المدارس الرسميّة فاقت العدد المطلوب، ولن يكون لديهم الحظ ليُسجّلوا فيها. أمّا الصعيد الثاني، فيأتي بترجمة القرار نفسيّاً - اجتماعيّاً لهؤلاء الأطفال، الذين عاشوا منذ سنوات خسارة منازلهم بسبب الحرب، واليوم يُعانون أيضاً من صعوبة خلعهم عن مُحيطهم الجديد". 

وفي ظلِّ غضّ الوزارات المعنية النظر عن هذه الكارثة وفي مقدّمتها وزارة الدولة لشؤون النازحين السوريّين، والتي ينشغل وزيرها بإطلاق الشتائم بحقّ الإعلاميّات، تأخذ جمعية "إنقاذ الطفل" المبادرة، وتعمل لتأمين مساعداتٍ عينيّةٍ ومادّيةٍ للعائلات المتأثّرة لمساعدتهم على التأقلم مع الوضع الجديد. وتنسقُ مع جمعيّات الأمم المتّحدة، لتخفيف وقع الكارثة على العائلات، وعلى الأطفال بالدرجة الأولى. وتحاول ثني المعنيّين عن القرار أو أقلّها تمديد مُهل الإخلاء، ووقف المُضايقات اليوميّة على السوريّين لحين إيجاد البديل.

ولا تخفي عواضة تخوّفها من أنْ تنجرّ عدوى ترحيل السوريّين إلى بلديّاتٍ أُخرى، وتطالب وزارة الداخلية والبلديّات بالتدخّل بهذا الموضوع، وأن تأخذ بعين الاعتبار الوضع الإنسانيّ لهذه العائلات، وأن تَعي الوزارات المعنيّة لمخاطر مثل هكذا كارثة سنبدأ نلمس نتائجها على أبواب فصل الشتاء.

إذاً، كارثةٌ إنسانيّةٌ على وَشَك أنْ تتفجرَ في شوارع بيروت خلال الأيّام المُقبلة، لتعيدَ ملفّ النازحين السوريّين الذي بدأت الحكومة العمل عليه أخيراً إلى الواجهة، وهو الملفُّ الذي يبدو أنَّ مصيره سيكون التجميد بعد الاستقالة المُلتبسة التي تقدّم بها رئيس الحكومة سعد الحريري من الرياض، ليبقى السؤال ما هو مصير 800 عائلةٍ سوريّة، وماذا لو قرَّرت بلديّات أُخرى اتّخاذ قراراتٍ مُشابِهة؟