ما هو شأن داخلي سعودي في إستقالة الرئيس سعد الحريري سيظل سراً حتى تنتهي التحقيقات مع الأمراء والوزراء ورجال الاعمال السعوديين المحتجزين بتهم الفساد، وحتى يستقر عهد الملك السعودي المقبل محمد بن سلمان.. ولن يكون المصير النهائي لشركة "سعودي أوجيه" مجرد تفصيل بسيط في هذا السياق، برغم أنها أصغر وأضعف من مجموعة بن لادن المستهدفة حالياً.
 وما هو شأن داخلي لبناني في الاستقالة  لن يبقى خافيا لفترة طويلة، برغم ان الرياض قالت كلمتها الاولى فقط ، وأصدرت موقفها الاولي الذي سقط كالصاعقة على رؤوس جميع اللبنانيين، بمن فيهم الرئيس الحريري نفسه. هي لم تحدد حتى الان شروطها أو مطالبها لعودة الامور اللبنانية الى سابق عهدها.  الفراغ على مستوى السلطة هو القرار الاول، لكنه ليس الاخير ، وهو لا يقتصر على سحب الحريري او تياره او حلفائه فقط، بل يمتد ليشمل عموم السنة في لبنان، ويشكك في "ميثاقية"أو في شرعية أي حكومة مقبلة.
المؤكد أن ثمة قرارات سعودية لاحقة، تمس السلطة والاقتصاد اللبناني . وهي على الارجح لن تكون ،كما  الاستقالة، خطوات إحتجاجية متأخرة على سياسة حكومية غير مقبولة. إستثمار الفراغ الرسمي اللبناني يتطلب الكثير من المخاطرة، لان الخصوم ليسوا ضعفاء أو غير قادرين على استيعاب الصدمة، وعلى الشروع في البحث عن البدائل الممكنة لمواجهتها، وتحويل تلك المهمة الى قضية أمن وطني لبناني، تعني جميع اللبنانيين من دون إستثناء.
بعد إنتهاء عملية النفاق والخداع التي يمارسها خصوم الحريري  اليوم لا سيما  في قولهم أنهم لا يريدون سواه  أو أحد أفراد أسرته  أو تياره في رئاسة الحكومة،  أو في سعيهم الحثيث لإستعادته من الاسر السعودي المفترض، سيبدأ الهجوم الايراني -السوري المضاد. سد الفراغ هدف رئيسي بلا شك، لكنه ليس الأهم. وفي زعم حلفاء طهران أن العثور على شخصيات سنية تطمح الى رئاسة الحكومة سيكون في منتهى السهولة ، وكذا الامر بالنسبة الى ضمان غالبية نيابية للثقة بالتشكيلة الحكومية المقبلة.
يبقى اللغز الاكبر  والاهم المتصل بالاستقالة، وهو قرار السعودية تحويل لبنان الى ساحة مواجهة مفتوحة مع إيران، ما يستثني، كما هو ظاهر حتى الآن ،الساحة السورية برغم أنها تمثل واحدة من أهم جبهات الصراع السعودي الايراني، بل لعلها الجبهة الوحيدة التي سيحسم فيها ذلك الصراع، لكونها الجبهة الاسهل لمثل هذا الحسم في ضوء موازين القوى السورية المرجحة للسعودية بالمقارنة مع الموازين العراقية المائلة لإيران، او الموازين اليمنية المتصلة بقرون من الفرقة والتنابذ بين اليمن والمملكة.
لهذا السبب بالتحديد كان الأمل ، وربما المنطق أيضا يقتضي  أن يقع إختيار السعودية على سوريا لكي توسع الإشتباك مع إيران، بواسطة المليشيات المسلحة التي يمولها ويسلحها السعوديون، وهي كلها سورية المنشأ، بخلاف المليشيات التي يمولها ويسلحها الايرانيون وهي في غالبيتها مستوردة من لبنان والعراق عدا عن إيران نفسها . إستبعاد الجبهة السورية من الاشتباك يترك الانطباع بأن السعودية سلمت بالهزيمة في سوريا، وهي تستعد للخروج منها تماماً.. وهو ما لا يمكن تعويضه بإختيار لبنان مكاناً للإشتباك مع الايرانيين، بالإعتماد على قوى لبنانية مجردة من السلاح والمال ومن المؤهلات السياسية لتحدي حزب الله وبقية حلفاء طهران.
 الرد على هذا التقدير  لا يفك اللغز :  ثمة من يجزم بان الحرب في سوريا لم تنته، وبان السعودية تدعم المعارضة السورية المدنية والعسكرية أكثر من أي وقت مضى، وهي تعد لمفاجآت سورية مشابهة للمفاجأة اللبنانية الاخيرة، تحدث تغييرا جذريا في المعادلة السورية، وهي تبدأ من التفاهم مع الروس والاميركيين على طرد إيران من سوريا، وعلى التمهيد لمرحلة ما بعد بشار الاسد.
ليس هناك أدلة كافية على هذا التوجه السعودي في سوريا وبالتالي على فرص نجاحه. ثمة أدلة تكفي فقط للجزم بان دمشق وطهران ستكسبان الجولة اللبنانية الراهنة بسهولة..وستضيفان هذا المكسب الى رصيدهما في الصراع مع الرياض.