هستيريا إستقالة الرئيس الحريري دخلت كل بيت وبات الجميع أسير النشرة الإخبارية بحماسة زائدة فإمّا شاتماً كجمهور 8 آذار أو مرحبًا كجمهور 14 آذار
 

أكثر اللبنانيين يستيقظون كما ينامون على سماع النشرات الإخبارية للقنوات المحلية ذات الإتجاهات المباشرة لإعلام غير موضوعي بقدر ما هو رؤية حزبية أو طائفية هادفة إلى شحن النفوس وتعبئتها كيّ تكون جاهزة عند أيّ شباك بين المختلفين في السياسة اللبنانية وفي مواضيع وعناوين إقليمية، الأمر الذي يضع لبنان في مهب أوراق النشرة الإخبارية الموضوعة سلفًا بأقلام تبحث عن القلاقل أكثر مما تبحث عن التهدئة وخاصة في اللحظات الحرجة كما هي عليه اليوم حالة لبنان المُزرية بعد إستقالة الحريري.
من المعيب أن يكون لسان اللبنانيين تبعًا للنشرة الإخبارية فلا تسمع حديثًا في مشكلة إلاّ طبقًا للوصفة الإخبارية ويجهد اللبنانيون ويتعصبون لما سمعوا من مذياع هذه الجهة أو تلك دون أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ودون أن يكون للعقل دورًا في التنقيب والتمحيص وقراءة ما وراء النشرة من أهداف غير نزيهة بقدر ما هي تحريك لعجلة الفتنة خدمة لمصالح غير مصالح وطنية بالتأكيد كونها تقرع طبول الحرب ولا تطلق صفّارة الخطر من أزمة قائمة وهي تحتاج إلى عقلاء لا إلى غوغائيين مستثمرين في دماء اللبنانيين ومستفيدين من سياسة الإنقسام التي توفر لهم المزيد من الوفرة الكبيرة في السلطة المتعددة الإستعمال.

إقرأ أيضًا: أبوهريرة دكانة السُنة والشيعة لبيع الأحاديث
هناك فرق كبير بين النقض الذي يمارسه كتاب ومثقفون باعتباره الدور المطلوب لتصحيح الخلل القائم وهذا حق لكل إنسان أن يقول ما يؤمن به وأن يعبر ويشارك في السياسة وأن يوافق ويختلف مع هذه وذاك وهذه مسألة جوهرية نتحمل فيها عبء المواجهة مع الطواغيت كيّ يتمكن كل إنسان من ممارسة حقه في التعبير وبالطريقة التي تتطلبها أدبيات الحرية نفسها وهذا الحق حق فردي وليس من وظيفته صياغة عقل جمعي يردد معه ما يراه بل من شأنه أن يوجد شخصًا مختلفًا معه فيما يقول وفيما يفكر في حين أن ما يمارسه الإعلام في لبنان وخاصة النشرات الإخبارية هو إعداد عقل جمعي يردد ما تمّ قوله بقلم إعلام موجه غير موضوعي بمعنى أن النشرة الإخبارية باتت نشرة حزبية مرتبطة بحلقة طائفية مهمتها تحميس الطائفيين وصناعة عقولهم وفق مضمون البيان الحزبي.
 من هنا ترى لكل فرقة في لبنان لغتها الخاصة فتعلم عندما تتحدث معها دون معرفة الأسماء والأمكنة أنهم من زبائن الميادين و المنار والجديد أو من زبائن المستقبل ومن معها من قنوات 14آذار.
لم يعد التثقيف الحزبي يعتمد على المثقف الحزبي أو على الثقافة الحزبية وما عادت الأحزاب الطائفية في لبنان ناشطة في ورش ثقافية داخلية لإعداد الأجيال الحزبية فالوسيط الإعلامي قد حلّ المسألة وبات أداة تثقيف لا للمنتسب الحزبي فقط بل للعائلة كلها فالمجتمع كله مفتوح للإعلام الذي يعبئه بطريقة لم تفلح بها الثقافة الحزبية خاصة وأن أدوات الإعلام تنظف الكذبة وتجعلها كلمة صادقة تدخل عقل المستمع على أنها حقيقة قد حصلت أمام عينيّه ولا إمكانية لتكذيب ما رآه بأمّ عينه.

إقرأ أيضًا: هدوء القائد وغضب الجماهير
هستيريا إستقالة الرئيس الحريري دخلت كل بيت وبات الجميع أسير النشرة الإخبارية بحماسة زائدة فإمّا شاتماً كجمهور 8 آذار أو مرحبًا كجمهور 14 آذار ويلعب بين الشتيمة والحماس إعلام بلا نزاهة ولا وطنية كل غيّه الربح الحرام في دم اللبنانيين المستعدين لهدره عند أيّ إشارة مرور لهذا الهارب أو ذاك المختبىء وذيّاك المتربص بدوائر الموت بحثًا عن فريسة يصطادها ليُطعم صغار السياسيين من عائلة الطبقة السياسية التي تنتحب عندما تتفق وتنفرج أساريرها عندما تحترب فالسلم في لبنان غير مربح لها والحرب ثروتها التي لا تنتهي وما يساعدها على ذلك شعب فقير لا يملك من الدنيا إلاّ لسانًا فتراه هنا وهناك متفرغًا للقتال بالألسن وقد دفعته حماسة الموت باللسان إلى حد هدّم فيه صوامع ومعابد ونكّل بعدو له بشراهة وشراسة لم يمتلكها التتار ولا المغول.
حبذا لو يذهب هؤلاء إلى البحث عن عمل لسد أفواههم الجائعة بدلًا من لوك السباب والشتائم سواء بالتأييد للحريري أو بالتنديد له فالمسرح السياسي في لبنان يشهد عروضًا يومية وما الإستقالة إلا عرض من هذه العروض لممثلين لا يتغيرون مهما بُح صوت هنا وصوت هناك.