يبقى أن السخافة الأكبر، هي ما نسمعه من جمهور الممانعة يوميًا واستنكاره الشديد المترافق مع دهشة مستهجنة حول تدخل السعودية
 

قد يتسامح المرء أو يغض الطرف عن سخافات إعلامية أو سياسية أو حتى فكرية في أوضاع وظروف عادية مستقرة وفي أجواء طبيعية، أما أن تسمع هذا الكم الهائل من السخافات والسفاهات متوازيًا مع أصوات قرع طبول الحرب فهو أمر يثير الإشمئزاز ويدعو إلى التقيؤ ولا يبشر إلا بمستوى التردي الذي وصلنا إليه. 
فمن بديهيات القول أن سعد الحريري يوم السبت الماضي لم يعلن إستقالته فقط، وإنما أعلن وبالفم الملآن بداية مرحلة جديدة ليس أقل سيناريوهاتها بداية حرب لا تبقي ولا تذر، حقيقة يدركها حتى الجاهل بمقتضيات الأمور، ويراها حتى الأعمى سياسيًا، ولا يتجاهلها إلا كل جاهل أو متكبر مغرور. 

إقرأ أيضًا: كلمة عاصفة ولو من دون سبابة
وفي هذه الأثناء تحديدًا، يدهشنا إعلام الممانعة يوميًا بمنشيتات وعناوين ومواد صحفية دعائية أقل ما يقال فيها إنها سخافات لا تنم إلا عن قسور مدوي على مجاراة تبعات المرحلة، فجريدة الأخبار مشغولة بتحرير سعد الحريري من سجون المملكة السعودية، وتلفزيون الجديد مهموك بعودة سعد الحريري بطائرته الخاصة إلى حتفه، وآخر هذه السخافات هي الحديث عن تعيين بهاء الحريري بدلًا عن أخيه، أو التفتيش عن شخصية سنية كيفما كان لرئاسة الحكومة!  
أما رئيس الجمهورية "القوي"، فمشغول بملأ  فراغه، والتعويض عن وهنه الفاقع بإستشارات لا طعم لها ولا رائحة، لم يستثنى منها إلا جاري الدكنجي!! عله بهذا الأداء البهلواني يساعد وسائل الإعلام في تعبئة بعض الهواء كمحاولة للإيحاء بأن القرار الفعلي هو ما سوف يصدر من بعبدا في حين أن الجميع يعرف أن القرار الحقيقي هو في حارة حريك. 
يبقى أن السخافة الأكبر، هي ما نسمعه من جمهور الممانعة يوميًا واستنكاره الشديد المترافق مع دهشة مستهجنة حول تدخل السعودية بالشأن اللبناني الداخلي!! هذا الجمهور الذي أُغرق في بحور من أوهام الإنتصارات (لطالما حذرنا منها) حتى بات يرى أن من حقه الطبيعي أن يتواجد في اليمن ويدرب يمنيين على إستهداف الرياض ومن ثم يمتعض من السعودية حين تدافع عن نفسها، هذا الجمهور الذي يعتبر أن من حقه هو وحده أن يقوم بحرب إستباقية لدفع خطر قادم بزعمهم من سوريا، ويندهش أيما اندهاش إذا السعودية إستعملت نفس القاعدة لدفع خطر تراه وصل إلى باب مندبها!! 

إقرأ أيضًا: إستقالة أكبر من لبنان
وإن كنت هنا لست في وارد أن أقول لحزب الله ما يجب أن يفعله لتجنب العاصفة القادمة، أو كيفية "حماية" لبنان إعصار لن يبقي ولن يذر، إلا أن من حقي كمواطن أن أطالب حزب الله وقيادته وإعلامه بأن يكونوا على قدر الحدث وهذا أبسط الحقوق، خاصة أن تحطم السفينة لا سمح الله سترمينا جميعًا بين الأمواج العاتية. 
قد أتفهم صدمة التحولات المستجدة التي نتجت عن إستقالة الحريري المفاجئة، وأتمنى أن تكون هذه الصدمة باعثة حقيقية لوقفة مع الذات ولإعادة قراءة معمقة تبدأ بنقد ذاتي بدل التلهي برمي المشكلات على الآخرين والتفتيش عن سخافات نلهي بها الجمهور، لأن من بديهيات القول بأن ليس بالسخافات يحمى لبنان، وبأن أسخف السخافات هي سخافات في زمن الحرب.