يصرّ حزب الله على التعاطي بهدوء مع الأزمة التي أحدثتها استقالة الرئيس سعد الحريري. يحرص على عدم التوتر، وعدم الاستعجال في اتخاذ أي خطوات أو قرارات. وفي هذا السياق، يدرج الحزب اللقاء الذي عقد بين أمينه العام السيد حسن نصرالله والوزير جبران باسيل، إذ تقول مصادر بارزة إن اللقاء هدف إلى فتح باب التشاور، والتشديد على التسوية الداخلية، وانتظار الحريري وسماع رأيه بما حصل، والوقوف عند آخر التطورات لديه وما هي الشروط المستجدة للبحث في الخطاوت التالية.

تقول مصادر قريبة من الحزب إنه تم استيعاب الاستقالة على ثلاثة مستويات: الأمني، السياسي والمالي. أمني من خلال بيانات قوى الأمن، مالي من خلال كلام حاكم مصرف لبنان بأنه لن يكون هناك أي تداعيات لهذه الأزمة، وسياسي في كلام نصرالله الذي سحب فتيل التوتر وأصرّ على الهدوء والحرص على التسوية مع الحريري والحفاظ على الاستقرار.

يلخّص الحزب المرحلة الحالية بأنها تختزل مجموعة مشاورات على أكثر من صعيد، لتحديد مصير الحريري. وتقول المصادر: كل الدلائل لدينا تشير إلى أن الحريري موقوف. وهذا لا يعني أنه مسجون، لكنه داخل سجناً كبيراً، غير ظاهر، ولم يصدر عنه أي موقف توضيحي. بالتالي، هو محجوب وغير قادر على توضيح قراره السياسي. لذلك، كل شيء معلّق في انتظار عودة الحريري. وستتم إطالة فترة المشاورات لمعرفة مصيره.

ولكن ماذا بعد؟ تجيب المصادر أنه في الوقت الحاضر ليس هناك إمكانية لتشكيل حكومة، وفي حال توفرت الظروف التي تحتّم إعلان حكومة الحريري حكومة تصريف أعمال، وإجراء استشارات نيابية، فإن مرشح حزب الله، والتيار الوطني الحر، وحركة أمل، والحزب التقدمي الإشتراكي، سيكون سعد الحريري. لكن ذلك سيكون مرتبطاً بعودة الحريري وإعلان استعداده لتشكيل حكومة جديدة، بعد سماع وجهة نظره ووضع شرطه الجديدة. أما في حال عدم موافقته وإصراره على الاستقالة، فسيكون هناك كلام آخر، وسيتم البحث عن خيارات أخرى.

ولكن المملكة العربية السعودية، في إطار السقف المرتفع الذي تنطلق منه، وضعت أي حكومة قيد التشكيل أمام شرط أساسي، هو عدم مشاركة حزب الله فيها. فهل ذلك ممكن؟ تجيب المصادر أن هذه الفكرة غير متاحة ومستحيلة. وهذا يعني وضع البلد في حال إنقسام سياسي كبير، قد يؤدي إلى حرب أهلية. وهذا ما لا يمكن لأي طرف أن يتحمّله. ويعتبر الحزب أن محاولات السعودية تشكيل جبهة معارضة لحزب الله من صقور 14 آذار، لن تؤدي إلى نتائج على الأرض. والقوى الرئيسية في البلد ترفض هذا المناخ، وحتى في أصعب الحالات يمكن استيعاب استقالة الحكومة.

يختصر حزب الله المرحلة، بأنها للتهدئة والانتظار، وبأن ليس هناك استعجال لأي إجراءات لقبول الاستقالة وإجراء استشارات نيابية. والتهدئة الداخلية ستستمر في كلام نصرالله يوم الجمعة، الذي سيكرر التمسك بالاستقرار. ولكن هذا لا يعني أن نصرالله سيسكت عن الخطوات التصعيدية، وقد يصعد ضدها على خلفية ما يحصل في اليمن.

وسط هذا الانهماك الداخلي، يبقى سؤال أساسي بحاجة إلى إجابة، وهو ماذا تريد السعودية؟ في تقدير حزب الله فإن السعوديين يتصرفون بتوتر مبالغ فيه، في الداخل السعودي، وفي لبنان واليمن. وهذا التوتر غير مفهوم، وربما يكون الهدف هو الرد على الانتصارات التي حصلت في سوريا، وبعد فشل مشروع إنفصال كردستان في العراق، وبعدما حصلت التسوية في لبنان وكان أضعف أطرافها حلفاء السعودية. لكن هذا الحراك السعودي يتزامن مع سلسلة ضغوط خارجية، كالعقوبات المالية وما إلى هنالك. وليس واضحاً بعد الهدف الأبعد من ذلك. وتشدد المصادر على استبعاد الحزب احتمال قيام السعودية بأي خطوة تصعيدية أخرى، لا على الصعيد المالي ولا على الصعيد العسكري. وتعتبر أن التهديدات بسحب الودائع أو قطع العلاقات الإقتصادية مع لبنان لن تؤدي إلى أي نتيجة. والحرب العسكرية ليست بمقدور السعودية لا في لبنان ولا في سوريا، لأنها غارقة في اليمن، والمشكلة على حدودها.

ووسط هذا التصعيد، لا بد من السؤال عن احتمال قيام إسرائيل بأي تحرك. هنا، تجيب المصادر بأن قواعد الحرب الإسرائيلية مع حزب الله في لبنان، ترتبط بمسألتين، وضع الجبهة اللبنانية وتطورات الجبهة السورية. وهي لا ترتبط بأي مصالح سعودية. لذلك، بالإمكان مقاربة هذه المسألة بقراءتين، إما أن إسرائيل تستثمر في الوضع الحالي، إذا ما وجدت الفرصة الداخلية اللبنانية سانحة، وهذا التوتر والتصعيد ضد الحزب قد يدفع إسرائيل إلى إتخاذ أي خطوات. كذلك يمكن قراءة ذلك من زاوية أخرى، هي أن تعتبر أن حزب الله غارق في مشكل داخلي، وفي سوريا، ومع السعودية، ويجب تركه يغرق من دون الدخول في معركة إستنزافية جديدة.