استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري ستدفع لبنان والمنطقة ثانية إلى واجهة التنافس الإقليمي السعودي الإيراني بما قد يؤدي إلى تفاقم التوترات على عدة أصعدة
 

كثيرة هي الدلائل والمؤشرات التي توحي باقتراب حرب تخوضها أطراف عدة ضد حزب الله اللبناني، حيث تنظر إليه هذه الاطراف باعتباره ذراعا من أذرع النفوذ الإيراني الذي يُراد تحجيمه والحد من تهديداته لدول حليفة أو صديقة للولايات المتحدة في منطقة الشرق العربي والخليج، من بينها إسرائيل والمملكة العربية السعودية.

المؤشر الأبرز الذي أتاح مساحة واسعة من التكهنات في استهداف وشيك أو بعيد لحزب الله، تمثل في "الانقلاب الدراماتيكي" في موقف رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري الذي أعلن، قبل يومين، استقالته بخطاب متلفز من العاصمة السعودية الرياض.

وأثار الخطاب جدلا واسعا في دلالات الزمان والمكان الذي أعلن منه، كما ان هذه الاستقالة جاءت بعد يومين من لقاء جمعه في بيروت مع علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، الذي وصف عقب اللقاء ما حققته الحكومة السورية بأنه "انتصار ونجاح كبير".

كما أن الاستقالة جاءت بعد أسابيع من زيارة وزير الدولة السعودي ثامر السبهان للعاصمة اللبنانية في سبتمبر الماضي حيث تؤكد المعلومات أنه وضع حكومة الحريري أمام ضرورة تبني خيار القطيعة مع حزب الله اللبناني.

وهو ما يُفهم منه "إعلان حرب" سعودية مفتوحة الاحتمالات على حزب الله اللبناني الذي وجّه له التحالف العربي مؤخرا تهمة السعي لتشكيل فرع له في اليمن والوقوف وراء إطلاق صاروخ على مطار الملك خالد في الرياض.

المضي قدما باتجاه التصعيد أو شن عمليات عسكرية ضد حزب الله بات أمرا مستساغا نظرا في ضوء ما أشرنا إليه بـ"الانقلاب الدراماتيكي" لرئيس الحكومة المستقيل على حزب الله، بعد سلسلة من التنازلات التي قدمها للحزب على مدى أكثر من عام.

ويأتي هذا بدءا من الصمت المطبق على الانتهاكات الموثقة لمقاتلي الحزب ضد المدنيين السوريين داخل الأراضي السورية، وقتاله إلى جانب قوات الرئيس السوري بشار الأسد، وانتهاء بإطلاق يد الحزب للهيمنة بشكل واسع على المناصب الحساسة التي أتاحت له شن عملية عسكرية بقرار منفرد ضد مقاتلي بعض التنظيمات في سهل البقاع والقلمون في لبنان.

إضافة إلى تأييد الحريري للمرشح الرئاسي الجنرال ميشيل عون المقرب من حزب الله والحكومة السورية المتهمة باغتيال والده رفيق الحريري في فبراير 2005.

وهي مواقف في جلها اعطت انطباع بضعف كتلة المستقبل السنية أمام ثقل متزايد لحزب الله في لبنان، وهو "الضعف" الذي صار اللبنانيون ينظرون إليه كأمر واقع.

لكن اللافت في خطاب الاستقالة لغة "التهديد" التي أعلن عنها الحريري ضد حزب الله في ثنايا الخطاب، حيث شدد أن "حزب الله، يوجه سلاحه إلى صدور اللبنانيين وإخواننا السوريين واليمنيين"، وبات دولة داخل دولة بدعم من إيران ، وفي إشارة إلى الحزب، قال إن "أيدي إيران في المنطقة ستُقطع".

في ضوء ما سبق، ستدفع حتما استقالة سعد الحريري لبنان والمنطقة ثانية إلى واجهة التنافس الإقليمي السعودي الإيراني بما قد يؤدي إلى تفاقم التوترات على عدة أصعدة، منها الطائفي السني الشيعي وعلى صعيد آخر قد يدفع أيضا باتجاه إشعال فتيل مواجهة عسكرية ضد حزب الله في الجنوب اللبناني، بشراكة إسرائيلية أميركية وربما مع حلفاء عرب.

وما قد يغذي احتمالات المواجهة العسكرية أيضا دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل واضح وقوي لتوجهات المملكة العربية السعودية وحلفاء المملكة في مواجهة "التهديدات" الإيرانية.

لكن في المقابل، ليس ثمة ما يشير إلى أن ايران ستخوض مواجهة عسكرية مباشرة في سياق استراتيجياتها التي اعتمدت دوما على خوض حروبها خارج حدودها الجغرافية من خلال توظيف قوى محلية تدين لها بالولاء مثل حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي وعشرات المجموعات الشيعية المسلحة المنتشرة على الأراضي السورية، إضافة إلى حركة انصار الله (الحوثي) وشبكة واسعة من الخلايا "النائمة" في دول خليجية عدة.

من جهته، أظهرت إسرائيل في مناسبات عدة موقفها الأكثر تشجيعا على شن حرب واسعة النطاق على حزب الله، وكان منطقيا أن تستغل إسرائيل استقالة الحريري لتوجيه انتقادات "حادة" للنفوذ الإيراني في لبنان داعية على لسان رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو إلى "إيقاظ المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات" لم يحددها ضد ما وصفه بـ "العدوان الإيراني".

الولايات المتحدة تبدو هي الأخرى في اتجاه مؤيد لإضعاف قدرات حزب الله العسكرية.. فهي لئن وضعت هزيمة تنظيم الدولة على رأس أولويات سياساتها في العراق وسوريا منذ أحداث الموصل 2014، إلا أن التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا في العام 2015 إلى جانب قوات الحكومة السورية المتحالفة مع إيران وحزب الله اللبناني ومجموعات شيعية مسلحة ترعاها إيران، دفع الولايات المتحدة إلى تبني استراتيجية "ثنائية الاتجاه" تتمثل في هزيمة تنظيم داعش والحد من اتساع النفوذ الإيراني وتحجيمه على الأراضي السورية.

ومع نهاية سيطرة تنظيم داعش عمليا على آخر المراكز الحضرية في سوريا وطرده من مدينة دير الزور على يد قوات النظام السوري، بات التفرغ لمواجهة التهديدات الإيرانية أولوية أميركية، وفي هذا الإطار يبرز استهداف حزب الله اللبناني في مقدمة الأولويات الاميركية الراهنة كأحد أهم الأذرع الإيرانية المعززة للنفوذ الإيراني في سوريا ولبنان.

المواجهات المحتملة أو الحرب المفتوحة ضد حزب الله اللبناني قد تعني في وجهها الآخر سعي الولايات المتحدة لمواصلة الصراع مع إيران، لكن ستظل مثل هذه المواجهة المحتملة رهنا بخلق الذريعة لاشعال فتيلها، وليس من المتوقع أن تبادر ايران أو حزب الله لاعطاء هذه الذريعة للطرف الآخر الذي سيظل بدوره مترددا في مباشرة الحرب.

لا توجد في المدى المنظور أي مؤشرات أو دلائل واقعية يمكن التعويل عليها في تعرض إسرائيل لهجوم مباغت من حزب الله اللبناني مع واقع حالة عدم الاستقرار في لبنان محليا، وتعدد الجهات الفاعلة غير الحكومية، وانفراد الحزب بقرار الحرب والسلم في لبنان.

لكن ثمة مؤشرات أو بوادر في ضوء ما سبق عرضه من مواقف على أن المواجهة المحتملة ستكون من خلال تعرض حزب الله لهجوم عسكري وضربات جوية تنفذها إسرائيل وشركاء لها إقليميون ودوليون يتبنون استراتيجية الحد من التهديدات الإيرانية.