حققت استقالة الرئيس سعد الحريري انجازات تفصيلية كثيرة لمصلحة رئيس الجمهورية ميشال عون، في دعوته إلى إجراء مشاورات مع مختلف الأفرقاء. فقد استعاد عون زمام المبادرة، إذ استقبل، الثلاثاء في 7 تشرين الثاني، رؤساء الجمهورية السابقين، ورؤساء كتل نيابية، أبرزها كانت زيارة النائب سليمان فرنجية بعد قطيعة. لكن تلك المشاورات لم تحقق المبتغى لتفادي تداعيات الاستقالة، إذ إن البعض اعتبر أن الهدف منها، هو كسب الوقت وتأجيل المواجهة المحتومة. في هذا الوقت، كان الحريري يزور الإمارات ويلتقي ولي العهد في أبو ظبي محمد بن زايد. وما بينهما، كانت المراوحة اللبنانية مستمرّة.

يصف البعض خيارات عون وخطوته من خلال اللقاءات والمشاورات التي حصلت بأنها استشارات غير ملزمة. لكنه أرادها للإشارة إلى البحث عن مخرج للأزمة الواقعة، والتي على ما يبدو ستكون طويلة. في قراءة هادئة لآلية التعاطي اللبناني مع الأزمة، يبدو واضحاً أن المسؤولين يعملون على التهرب من مواجهة الموضوع الأساسي الذي أعلنه الحريري في مضمون خطابه، وهو أن استقالته تأتي بعد اختلال موازين القوى، وسيطرة حزب الله وتحكمه بمفاصل البلد وسياسته، مقابل حصوله على غطاء من العهد.

كل الآليات التشاورية أو غير التشاورية لا تبدو مجدية، إذ تندرج في إطار الالتفاف على المطالب السعودية. وفيما سمع عون وجهات نظر مختلفة، كانت أبرزها، وجهة نظر الرؤساء أمين الجميل، ميشال سليمان وفؤاد السنيورة، والتي ارتكزت على ضرورة تصحيح المسار وإصلاح ما أفسد بسبب إختلال موازين القوى، فإن هذا الأمر، والحديث عن سقوط التسوية، أزعج عون الذي طالب بوقف التصريحات بعد لقائه.

وتشير مصادر متابعة إلى أن لقاء عون مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، كان أكثر من صريح، إذ استعرض جعجع الوضع بخلفياته الواسعة، واعتبر أن هناك مشكلة حقيقية، والتصعيد آت، والمشكلة تعود إلى مشاركة الوزير جبران باسيل في القمة الإسلامية الأميركية، حين عاد في الطائرة وغرّد بأن لبنان لم يكن على علم بذلك. وربما قبل ذلك، في إشارة من جعجع إلى كلام عون للصحافة المصرية خلال زيارته القاهرة. واستكمل جعجع عرض الوقائع، بأن لقاء باسيل ووليد المعلم، وزيارة الوزراء إلى سوريا، بدون أي موقف رسمي، كلها أسباب أدت إلى ما أدت إليه. واعتبر جعجع أن الميزان بحاجة إلى توازن، وإذا لم يتحقق هذا التوازن، يعني أن البلد مقبل على أزمة أكبر من التي يعيشها.

لا يبدو أن الحلّ متوفر حتى الآن، وطالما أن حزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل، يعتبرون أن الحريري غير مستقيل، فهذا يعني أنه هروب من الواقع، ويعني أن كل محاولات الإشارة إلى أن الحريري قيد الإقامة الجبرية، ستؤدي إلى مزيد من التصعيد، مقابل مزيد من التهرب اللبناني. لكن، هناك من يسجّل تناقضاً في تصرفات هذا الثلاثي، إذ يهمس بأن هناك تفكيراً في كيفية تشكيل حكومة جديدة، وتوفير مخرج لقبول استقالة الحريري، تحت شعار أن الاستحقاقات داهمة ولا يمكن الركون إلى هذا الوضع غير الواضح.

وتكشف المصادر عن أن البعض يفكر في الذهاب نحو حكومة تكنوقراط لا يكون فيها حزب الله، وإقناع الحزب بذلك لامتصاص الصدمة والإلتفاف عليها. وهنا، تتضارب المواقف بشأن موقف الحزب. فهناك من يعتبر أنه لن يوافق على ذلك، فيما هناك من يرى إمكانية موافقته، إذا كان الاتجاه نحو تشكيل حكومة انتخابات. ولكن هذه ستكون خطوة تراجعية ورضوخاً من الحزب والإيرانيين للضغط السعودي. ولكنها ستكون خطوة تكتيكية. أما تحييد لبنان وعودة حزب الله من سوريا، فهما غير قابلين للنقاش، لا سيما أن الحزب ما زال يعتبر نفسه منتصراً في الإقليم. ولكن هذا لا يلغي إمكانية لجوء الحزب إلى تقديم تنازل معين، والقبول بتسوية. حتى الآن لا وضوح لدى الحزب.

لن يرضى السعوديون بعد هذه الخطوة بأن يكون التنازل بسيطاً، فيما الحزب لا يقبل بأن يكون الثمن باهظاً. ولكن، إذا أصر السعوديون على التصعيد، وإجراءات إقتصادية، فهذا يعني أن الأمور ستذهب نحو الأسوأ. وهو ما يتضح من خلال كلام الوزير ثامر السبهان. بالتالي، فإن الخطوات السعودية أو اللبنانية، ستكون مرتبطة بالتطورات الإقليمية المقبلة، وبما ستقدم طهران على فعله سواء أكان بشكل مباشر أو عبر حزب الله.