عاد لبنان في هذه الأيام إلى قلب عاصفة الصراعات الإقليمية والدولية، بعد أن عاش خلال السنوات الثلاث الماضية حالة نسبية من الاستقرار السياسي والأمني، من خلال التوافق الداخلي، ولا سيما بين حزب الله وتيار المستقبل، وفي ظل دعم إقليمي ودولي لهذا الاستقرار؛ لأسباب متنوعة.

فقد أدت الاستقالة المفاجئة لرئيس الحكومة سعد الحريري، من قلب العاصمة السعودية وعبر قناة العربية، وبعد سلسلة تغريدات تصعيدية للوزير السعودي ثامر السبهان، إلى إعادة حالة الاضطراب السياسي الداخلي، والتخوف الكبير من تداعيات أمنية وعسكرية واقتصادية لهذه الاستقالة؛ في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق جديد يعيد ترتيب الأوضاع، ويساهم في تحييد لبنان عن صراعات المنطقة.

فما هي الأسباب التي أدت لعودة لبنان إلى قلب العاصفة الإقليمية والدولية؟ وهل ستنجح القوى اللبنانية، وبدعم إقليمي ودولي، من استيعاب هذه العاصفة وحماية الاستقرار الداخلي؟ أم أن الأمور ستتجه نحو المزيد من التصعيد، ويدخل لبنان في أزمة طويلة الأمد؛ شبيهة بما حصل بعد التمديد للرئيس إميل لحود عام 2004، واغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، وحرب تموز/ يوليو 2006، أو بما حصل بعد أحداث أيار/ مايو 2008، والتي مهدت لاتفاق الدوحة؟ أم أننا أمام أزمة جديدة غير واضحة المعالم؛ بانتظار الاتفاق السعودي - الإيراني والاتفاق الدولي الإقليمي على ترتيب الأوضاع في المنطقة كلها؟
 

استقالة سعد الحريري المفاجئة لم تأت لأسباب داخلية مباشرة، بل إن ما جرى مرتبط مباشرة بالصراع الإيراني السعودي
 

تجمع الأوساط السياسية والأعلامية اللبنانية على أن استقالة الرئيس سعد الحريري المفاجئة لم تأت لأسباب داخلية مباشرة، رغم وجود حالة من الاحتقان الضمني في الواقع اللبناني بين مختلف القوى السياسية، بل إن ما جرى مرتبط مباشرة بالصراع الإيراني - السعودي المباشر، وبالأوضاع الإقليمية في المنطقة، في ظل تقدم المحور السوري - الإيراني - الروسي مع حزب الله في العديد من المناطق، وفي ظل شعور السعوديين بضرورة توجيه ضربة قاسية لحزب الله وإيران، من خلال قلب الطاولة عليهم في الساحة اللبنانية، وإنهاء الحكومة اللبنانية التي تضم حزب الله في صفوفها، وكذلك توجيه رسالة قاسية لرئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون بسبب مواقفه الداعمة لحزب الله.

وقد شكلت سلسلة العقوبات الأمريكية على حزب الله وإيران، والتهديدات الإسرائيلية بالقيام بعمل عسكري يستهدف لبنان وسوريا، وسلسلة المواقف التي أطلقها المسؤولون السعوديون ضد حزب الله والحكومة اللبنانية، والدعوة لمعاقبة الحزب؛ المقدمة الطبيعية لهذا التصعيد السياسي المفاجئ.

لكن إلى أين ستتجه الأمور؟ وهل نحن أمام أزمة مفتوحة؟ وهل ستتطور الأوضاع إلى مواجهات شعبية أو أمنية أو عسكرية؟ أو سنكون أمام حرب إسرائيلية جديدة على لبنان؟ أو ستتطور العقوبات على حزب الله إلى حرب اقتصادية وحصار على لبنان كما حصل من الدول الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) ضد قطر؟
 

نجحت القيادات اللبنانية في استيعاب الضربة الأولى، وحافظت على الاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي
 

في الأيام الأولى التي تلت الأزمة، نجحت القيادات اللبنانية في استيعاب الضربة الأولى، وحافظت على الاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي. وجاءت معظم المواقف الداخلية لتؤكد الدعوة إلى التهدئة، والبحث عن حلول للأزمة، ومنع تفاقم الأوضاع نحو تطورات خطيرة. وجاءت مواقف أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، في إطلالته الأولى بعد الأزمة؛ لتخفف من أجواء الاحتقان، كما أن تحرك الرئيس العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ومفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، ومعظم القيادات السياسية والدينية، جاء لاستيعاب الأزمة الأولى، والدفع للبحث عن حلول سياسية.

لكن حسب مصادر سياسية مطلعة، فإن الأزمة لن تنتهي، وأن هناك ضغوطا كبيرة لتشكيل حكومة حيادية جديدة لا تضم حزب الله في صفوفها، وأن هناك ضغوطا جديدة قد يواجهها لبنان في المرحلة المقبلة، إضافة للسعي لتشكيل جبهة سياسية لبنانية ضد حزب الله والسياسة الإيرانية، وللضغط على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لسحب الغطاء عن سلاح الحزب ودوره الإقليمي.
 

هناك ضغوط كبيرة لتشكيل حكومة حيادية جديدة لا تضم حزب الله في صفوفها، وهناك ضغوط جديدة لتشكيل جبهة سياسية لبنانية ضد حزب الله والسياسة الإيرانية
 

إذن، نحن أمام صراع مفتوح مرتبط بالتطورات الإقليمية، وازدياد الصراعات والضغوط في المنطقة ضد المحور السوري - الإيراني - الروسي، فإما سنذهب إلى تسوية شاملة في المنطقة تخفف من الدور الإيراني وحلفائه، أو سنشهد المزيد من الصراعات وسيكون لبنان ساحة لهذه الصراعات، كما هو الحال في بقية دول المنطقة.