توجيه السعودية خطابها نحو إيران، ردّا على إطلاق المتمرّدين الحوثيين صاروخا باتجاه العاصمة الرياض، هو بمثابة وضع للأزمة اليمنية في إطارها السليم كجزء من محاولات التمدّد الإيراني في المنطقة، ليكون الحل من جنس المشكلة وضمن إطار أشمل وهو قطع الأذرع الإيرانية في المنطقة ككل وليس في اليمن وحده
 

مثّلت عملية إطلاق صاروخ عابر من داخل الأراضي اليمنية باتجاه العاصمة السعودية الرياض، منعطفا كبيرا في الحرب باليمن، وتخطيّا إيرانيا لكلّ الخطوط الحمر في الصراع مع المملكة وأغلب بلدان المنطقة.

ورغم أنّ الصاروخ الذي تصدّت له الدفاعات السعودية بنجاح وأبطلت مفعوله قبل أن يبلغ هدفه، أُطلق عمليا على يد المتمرّدين الحوثيين، فإنّ الرياض لم تتأخّر وهي تعقّب على العملية في الذهاب إلى أصل المشكلة وتوجيه أصابع الاتهام إلى طهران ليقينها بأنّها هي من أمر الحوثيين بمثل تلك الخطة التصعيدية، لأسباب تتجاوز الساحة اليمنية في حدّ ذاتها وتتصل بشروع المملكة في تضييق الخناق على الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة؛ حزب الله اللبناني.

وكتب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في حسابه على تويتر أنّ “التدخلات الإيرانية في المنطقة تضر بأمن دول الجوار وتؤثر على الأمن والسلم الدوليين”، مضيفا “لن نسمح بأي تعديات على أمننا الوطني”.

كما أجلى وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش حقيقة الصورة بالقول على حسابه في تويتر “إنّ استهداف الحوثي الفاشل للرياض بصواريخ باليستية إيرانية تطور خطير يضع الأولويات في نصابها الصحيح، وأهمها أن خطر التمدد الإيراني هو التحدي الأول”.

وفي ردودها العملية على إطلاق الصاروخ، اتخذت السعودية سلسلة من الإجراءات الصارمة، لم تستبعد مصادر سياسية أن تكون جزءا من قرار أكبر وأهم يتمثل بحسم الملف اليمني عسكريا، وطي صفحة الحلّ السياسي الذي تأكّدت استحالته في ظلّ ارتهان القرار السياسي للحوثيين، وهم الطرف الرئيسي في الأزمة اليمنية، لإيران غير المعنية بتحقيق السلام في اليمن، حيث أنّ إطالة الحرب هناك تخدم أهدافها إلى حدّ بعيد وتبقي الباب مفتوحا لتدخّلها في البلد ذي الموقع الاستراتيجي. ومن هذا المنظور لن يكون حسم الملف اليمني منفصلا عن الاستراتيجية الأشمل لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة ككل من العراق إلى اليمن، مرورا بسوريا ولبنان.

وفي تطور مفاجئ بمسار الحرب في اليمن، أعلن التحالف العربي لدعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية، في بيان، عن اتخاذ جملة من الإجراءات ردا على استمرار ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران في إطلاق الصواريخ الباليستية باتجاه الأراضي السعودية، والتي كان آخرها قيام الحوثيين باستهداف مدينة الرياض مساء السبت الماضي، بإطلاق صاروخ أشار البيان إلى أن مداه تجاوز الـ900 كلم، وأن فحص حطامه من قبل خبراء التقنية العسكرية أكد “ضلوع النظام الإيراني في إنتاج هذه الصواريخ وتهريبها إلى الميليشيات الحوثية في اليمن”.


أنور قرقاش: استهداف الحوثي للرياض تطور خطير يضع الأولويات في نصابها الصحيح
وبلهجة غير مسبوقة حمّل بيان التحالف العربي النظام الإيراني مسؤولية تزويد الميليشيات الحوثية بهذه الصواريخ في انتهاك صارخ لقرارات مجلس الأمن الدولي وعلى وجه الخصوص القرار 2216 الذي يمنع تسليح الميليشيات الحوثية في اليمن.

ووصف البيان هذا الخرق بأنه “عدوان عسكري سافر ومباشر من قبل النظام الإيراني، وقد يرقى إلى اعتباره عملا من أعمال الحرب ضد المملكة العربية السعودية”، وأكّد “حقّ المملكة في الدفاع الشرعي عن أراضيها وشعبها وفق ما نصت عليه المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة”، واحتفاظها “بحقها في الرد على إيران في الوقت والشكل المناسبين الذي يكفله القانون الدولي ويتماشى معه واستنادا إلى حقها الأصيل في الدفاع عن أراضيها وشعبها ومصالحها التي تحميها كافة الشرائع والمواثيق الدولية بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة”.

واعتبر مراقبون أن البيان هو الأكثر وضوحا في تحميل مسؤولية ما تقوم به الميليشيات الحوثية للنظام الإيراني بشكل مباشر.

وفيما تبدو أنها مقدّمة لإجراءات جديدة سيتخذها التحالف العربي للحد من تهريب السلاح القادم من طهران إلى الجماعة الحوثية، أعلن التحالف العربي عن إغلاق مؤقت لكافة المنافذ اليمنية الجوية والبحرية والبرية مع مراعاة استمرار دخول وخروج طواقم الإغاثة والمساعدات الإنسانية وفق إجراءات قيادة قوات التحالف المحدثة.

ويرى مراقبون أن التطورات المتسارعة للأحداث وخصوصا التناغم الحوثي-الإيراني الذي ظهر جليا من خلال توقيت إطلاق الحوثيين للصاروخ الباليستي باتجاه العاصمة السعودية الرياض عقب استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، كلّها أمور ستدفع باتجاه مغادرة الحرب في اليمن لمنطقتها الرمادية، وستغير من قائمة الأهداف المعلنة للتحالف العربي.

وتزامنت إجراءات التحالف العربي مع إعلان الحكومة السعودية عن قائمة شملت أربعين مطلوبا من أبرز القيادات الحوثية، قالت إنهم متورطون في عمليات تخطيط وتنفيذ ودعم الأنشطة الإرهابية المختلفة لجماعة الحوثي، كما أعلنت السلطات السعودية عن مكافآت مالية تتراوح قيمتها بين خمسة ملايين وثلاثين مليون دولار لمن يدلي بأي معلومات تُفضي إلى القبض عليهم أو تحديد أماكن تواجدهم.

وضمت القائمة أسماء أبرز القيادات العسكرية والسياسية في الجماعة الحوثية، من بينها زعيم الميليشيا عبدالملك الحوثي واثنان من أشقائه أحدهما يشغل منصب وزير التعليم في حكومة الانقلاب والآخر يعتقد أنه المسؤول عن الجناح العسكري في الجماعة.

كما احتوت قائمة المطلوبين على رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد، ورئيس اللجان الثورية محمد علي الحوثي، وقادة عسكريون بارزون مثل زكريا يحيى الشامي ووالده، وأبوعلي الحاكم، ويوسف المداني، إضافة إلى قادة عسكريين وأمنيين وتجار سلاح.

وفي تعليقه على قائمة المطلوبين الحوثيين أشار الباحث السياسي اليمني مانع المطري في تصريح لـ”العرب” إلى أنّ إصدار القائمة بحد ذاته يبعث برسائل سياسية وعسكرية عدّة، منها أن جماعة الحوثي سيتم التعامل معها من الآن فصاعدا كأحد ألوية الحرس الثوري الإيراني وأنه لا مستقبل سياسيا للجماعة الحوثية وأنها لم تعد طرفا في أي تسويه سياسية قادمة، وأن الخيار المطروح حاليا هو القضاء عليها وتفكيكها ومحاكمة رموزها.

ووضع الباحث السياسي السعودي علي عريشي عملية إطلاق الصاروخ باتجاه الرياض، والردود السعودية عليه ضمن إطار إقليمي أشمل معتبرا أنّ الاحداث المتسارعة في لبنان تؤكد أن عملية إطلاق الصاروخ الباليستي من صعدة على العاصمة السعودية الرياض ” تهدف بالدرجة الأولى لفك الضغط عن حزب الله، وهو ما يفسر ما ذكره بيان التحالف العربي بشأن اعتباره إيران متورطة بشكل مباشر في إطلاق الصواريخ الباليستية على أراضي المملكة.