بعد الإستقالة المُلتبسة، والتي تشوبها شوائب عدّة، تبدو الطائفة السّنية في أوج أزمتها السياسية
 

أولاً: ما قبل الإستقالة

قبل إستقالة الرئيس سعد الحريري المفاجئة، كان الحديث عن الإحباط المتفاقم في صفوف الطائفة السّنية هو السائد، القيادات مُوزّعة الأهواء، موقع رئاسة الحكومة مُلتبس، تحيط به شوائب عمليات فساد ومحاصصة في عددٍ من القطاعات، أضعفت الموقع وحطّت من قدره، تزايد الضغوطات من جانب حزب الله في الملفّات الساخنة المتعلقة بعلاقات الدولة اللبنانية مع النظام السوري، والإشتباكات السياسية والعقائدية بين الجمهورية الإيرانية والمملكة العربية السعودية، هُزال موقع رئاسة الحكومة أمام الحضور الطاغي للوزير جبران باسيل (رئيس الجمهورية الفعلي) في أكثر من موقع ومرفق وموقف، ممّا تسبب بسريان حالة إحباطٍ واضحة في صفوف أبناء طائفة الرئيس الحريري، وللإنصاف فإنّ الحريري حاول جاهداً السباحة في هذا البحر المتلاطم الأمواج، حتى ابتلعته الموجة الأخيرة من هذا الصراع الهائج.

إقرأ أيضا : نفق مظلم يدخله لبنان بعد إستقالة الحريري

ثانياً: ما بعد الإستقالة

كانت الطائفة السنية قد تعرّضت في تاريخ لبنان المعاصر إلى حملة تهميش قاسية في الفترة الممتدة من العام ١٩٨٣ وحتى قدوم الرئيس الشهيد رفيق الحريري مطلع تسعينيات القرن الماضي، ونجمت آنذاك عن الإنسحاب الفلسطيني إثر العدوان الإسرائيلي، واختفاء بعض زعماء الطائفة المرموقين (خروج صائب سلام خارج البلد واغتيال الرئيس رشيد كرامي والمفتي حسن خالد)  والقضاء على الميليشيا الوحيدة التي تُمثّل الطائفة "حركة المرابطون" بقيادة إبراهيم قليلات، والتي جرت تصفيتها بتعاون حركة أمل مع الحزب التقدمي الإشتراكي، والأرجح بطلب سوري، أمّا الحركة الوطنية فقد قام رئيسها وليد جنبلاط بحلّها، وهذا ما سهّل عمليات تطييف تدريجية للقوى السياسية المسلمة.
واليوم، وبعد الإستقالة المُلتبسة، والتي تشوبها شوائب عدّة، تبدو الطائفة السّنية في أوج أزمتها السياسية، فالرئيس الحريري في موقفٍ "مُهين" داخل المملكة السعودية، سواء كان "مُقيّداً" أو حُرّاً، وزعماء تياره في حيرةٍ شديدة من أمرهم، والزعماء السنّيون "المرشحون" لملء الفراغ الرئاسي الحكومي، يكاد أن لا يجرؤ أحد منهم على "ارتكاب" فضيحة قبول التكليف للقيام بهذا الموقع المفصلي في حياة لبنان السياسي، وهكذا يبدو الإحباط اليوم عاماً في البلاد برُمّتها، ومُضاعفاً في صفوف أبناء الطائفة السنية، يستوي في ذلك مناصرو الرئيس الحريري ومُعارضوه .
عشتُم يا شعب لبنان العظيم.