دخلت البلادُ مرحلةً جديدة بعد إعلان الرئيس سعد الحريري استقالته من الرياض بشكلٍ فاجأ الأوساطَ السياسية وترك تساؤلاتٍ عدّة عن الاتجاه الذي ستسلكه الأمور، وهل سنعيش فترة فراغٍ حكوميّ شبيهةً بالفراغ الرئاسي الطويل
 

لا شك في أنّ جزءاً من إستقالة الحريري تأتي في سياق «عاصفة الحزم» التي تُطلقها السعودية في اتّجاه محاصرة النفوذ الإيراني، في حين أنّ هناك «قطبةً مخفيّة» من الإستقالة لم تتّضح معالمُها بعد.

وما يزيد الغموض هو أنّ عواملَ الإدارة الداخلية للبلاد والتي قد تدفعه للإستقالة ليست بكثيرة أو أساسيّة، فعلاقةُ الحريري مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كانت في أحسن أحوالها وكان حريصاً على التأكيد في كل مناسبة على التوافق التام بينهما والإشادة بالتسوية التي أمّنت الإستقرار، حتى إنّ حلفاءَ عون والحريري كانوا يرتابون من حجم هذا التنسيق والوفاق.

ومن جهة ثانية، فإنّ علاقتَه مع رئيس مجلس النوّاب نبيه بري والمكوّن الشيعي جيدة لدرجة تمسّكهما بالحكومة وتشديد «حزب الله» منذ أيّام على إستمرار التسوية، وكذلك الأمر بالنسبة الى رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط وحزب «القوات اللبنانية».

ويتحدّث البعض عن أنّ قرعَ الرياض لطبول المواجهة مع إيران دفع ثمنَها الحريري بحكومته الذي يؤكّد دائماً أنها صاحبة إنجازات، وبالتالي فإنّ الباب فُتح على مصراعيه على المجهول، والوضع بات سوداوياً.

وفي إنتظار عودة الحريري الى لبنان، وتقديم إستقالته رسمياً الى عون وقبول الأخير بها، يبقى السؤال الاهمّ: مَن هو السنّي «الإنتحاري» أو «الفدائي» الذي قد يقبل بمهمة التأليف خصوصاً أنّ طائفته لم ترحم سعد الحريري الذي هو إبن الرئيس الشهيد رفيق الحريري من الإنتقادات في بعض المواقف التي إعتبرتها تنازليّة؟

وهل ستتكرّر تجربةُ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الذي قدّم إستقالته سابقاً وأكّد أمس من دار الفتوى أنه لا يفكّر بالموضوع وأنه مرشّحٌ للإنتخابات النيابيّة؟ وعمّا ستُسفر الإستشاراتُ النيابية عندما سيدعو عون إليها، وماذا إذا أُعيدت تسمية الحريري مجدّداً، وهل سيستطيع التأليف؟ وهل هناك شخصية سنّية قادرة على تأليف حكومة «اللون الواحد» خصوصاً إذا أُطلقت عليها تسميةُ حكومة «حزب الله»؟

كلها أسئلة تبقى بلا أجوبة إلى حين إتّضاح الصورة، فإذا نظرنا إلى سيناريو الإستشارات الملزِمة، يستطيع رئيس الجمهورية تكليف أيّ شخصية سنّية تتفوّق على منافسها بالأصوات، لكنّ أيّاً من الفرقاء السياسيين لا يملك الغالبية المطلقة التي تؤهّله لتأليف حكومة اللون الواحد ونيل الثقة. فحكومةُ ميقاتي تألّفت ونالت الثقة بفعل الإستدارة الجنبلاطية حينها، فيما الوضعُ الآن مغايرٌ تماماً لظروف المرحلة السابقة.

وتحتاج تسمية رئيس حكومة جديد الى توافق إقليمي وداخلي، خصوصاً بعد تأكيدات شخصيات من «8 آذار» حرصها على أن تكون الطائفة السنّية راضية عن الرئيس المسمّى ولا تشعر بالغبن.

وبالنظر الى حجم الكتل النيابية، فإنّ المجلسَ مؤلّفٌ من 125 نائباً، بعد إنتخاب عون رئيساً، وإستقالة النائب روبير فاضل، ووفاة النائب بدر ونّوس، ويتوزّع المجلس على كتل أساسيّة عدّة، إذ إنّ هناك نحو 40 نائباً يدورون في فلك تيار «المستقبل» والحلفاء المستقلّين، و8 نواب ينتمون الى كتلة «القوات»، و5 الى الكتائب اللبنانية، والنائبين دوري شمعون وبطرس حرب.

في المقابل، هناك 23 نائباً لتكتّل «التغيير والإصلاح»، و3 لتيار «المردة»، و26 نائباً لحركة «أمل» و«حزب الله»، و4 نواب لحزبَي «البعث» و«القومي السوري»، فيما هناك 11 نائباً لـ»اللقاء الديموقراطي»، إضافة الى النائب نقولا فتوش والرئيس نجيب ميقاتي والنائب أحمد كرامي.

وبالتالي، فإنّ الغالبية غيرُ مؤمَّنة، فجنبلاط لن يُخاطر بالدخول في مواجهة مع البحر السنّي، فهو يساير «جبهة النصرة» من أجل الحفاظ على دروز سوريا، ولن يدخلَ أيضاً في مواجهة مع السعودية في ظلّ غضبها على إيران، كذلك فإنّ تسمية أيّ شخصية سنّية بديلة عن الحريري، من دون موافقة السعودية ستكون لها تداعياتُها السلبية على الوضع اللبناني، فيما رئيس الحكومة المسمّى سيكون مجبَراً على الحديث مع «حزب الله» وإدخاله في الحكومة، إلّا إذا حصلت تسويةٌ ما أدّت الى ولادة حكومة تكنوقراط هدفُها إجراءُ الإنتخابات النيابية، هذا إذا أُجريت الإنتخاباتُ في موعدها.