إنتظرت بإهتمام بالغ كما كل اللبنانيين كلمة السيد حسن نصرالله بالأمس تعليقًا على إستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، بالخصوص أنها جاءت بظروف بالغة الدقة والحساسية، وبنص إستقالة يحتوي على مبررات أقل ما يقال فيها أنها تضع لبنان على فالق سياسي إقليمي ودولي لا يعرف إلا الله كيفية الخروج من زلزاله القادم. 
السبب الأول والثاني والأخير بحسب ما ورد في نص الإستقالة هو حزب الله وأدائه السياسي وغير السياسي، والتدخل الإيراني ومحاولاتها الحثيثة بتظهير لبنان على أنه تحت الوصاية الإيرانية المباشرة، وهذا وإن لم يكن خافيًا على أحد، إلا أن العنجهية الإيرانية كانت تصر كل مرة أن تصرح به وتتفاخر به على الملأ، مما ضيّق هامش المناورة عند سعد الحريري إلى الصفر. 

إقرأ أيضًا: إستقالة أكبر من لبنان
جاءت إستقالة الحريري كرد مباشر على تصريحات ولايتي، للقول بأن لبنان لا يمكن أن يكون في الصف الإيراني على حساب عمقه العربي، مما يعني أن مرحلة من الصراع فتحت على أوسعها حول هوية لبنان المستقبلية ولا مكان بعد الإستقالة لا للوسطية ولا للتسوية المزعومة. 
العنجهية الإيرانية دفعت بالحريري دفعا إلى هذا الموقف الخطير، مجبرًا على ترك البلاد أمام العواصف الهوجاء المرتقبة والتي سوف تهب من كل جهات الأرض على لبنان، وهذا ما يعرفه الصغير قبل الكبير. 
وأمام هذا التحول المفصلي، أطل سماحة السيد لا يحمل معه أي طرح أو مشروع حل أو محاولة لحماية البلد من مستقبل أسود ينتظره، حتى بدى وكأنه غير مبالي البتة بما ينتظرنا واكتفى بمقاربة الموضوع بخلفية تسجيل نقاط فيسبوكية على السعودية بدون أن يُشعر اللبنانيين بأي قلق لا على البلاد ولا على ما ينتظرها، فكان الهروب من المصيبة القادمة عبر المزيد من الإتهامات للسعودية والإختباء خلف إشاعات من هنا وهناك مما شكل صدمة غير متوقعة من شخصية بحجم السيد.

إقرأ أيضًا: الحرب الإسرائيلية خلف الباب
صحيح أن لهجة السيد كانت هادئة جدًا، إلا أن هذا الهدوء لم يكن نتاج  تفكير بارد وإنما هو نتاج لا مبالاة وإصرار فوقي ينم عن الشعور بالإنتصار والقوة التي تمنع صاحبها من الرؤية الموضوعية حتى وإن كان يمشي مزهوا نحو الهاوية من دون أن يدرك.
أنهى السيد كلمته "الهادئة" بعبارة عاصفة هي أن لا تغيير ولا تراجع ولا إعادة قراءة ولا توقف عند حزب الله وأنه مستمر بما هو عليه. 
إذا كان كثيرون من اللبنانيين اعتبروا بأن كلمة السيد هي الأهدأ منذ فترة، فإني أرى بأن هذه الكلمة وبظروفها إنما هي الأشد والأقسى على الإطلاق، فمن يرميك بمستنقع من الرمال المتحركة ثم يجلس قربك وينظر إليك وأنت تغرق وهو مشغول بقراءة الشعر ويدخن الأركيلة لا يعتبر لا هادئًا ولا حريصًا، فكيف إذا كان الغريق هو البلد؟