نحو ملاقاة الموقف العربي حفظاً للكيان والسلم الأهلي
 
تمضي حركةُ "المبادرة الوطنية" قـُدُماً في إرساءِ ورقتِها السياسيةِ والإجتماعية وإنشاء كيانِها التنظيمي . ومع إتمام إجتماعها التحضيري الثالث والدخول في العدّ التنازلي لإنعقاد مؤتمرها العام ، برَزت معطياتٌ تعزّز أهمية مشروعها وضرورته الملحّة ، خاصة في هذه المرحلة الخطرة التي يعايشها اللبنانيون على المستوى المحلي والمحيط الإقليمي ، مع عودة الوعي العربي والدولي إلى مخاطر المشروع الإيراني والآثار الكارثية التي يتركها على العالم العربي والمجتمع الدولي.
 
 
أزمة تسوية .. أزمة عهدٍ 
 
 
المبادرةُ التي أطلقها الدكتور رضوان السيد والدكتور فارس سعيد ، وشكّل "التحالف المدني الإسلامي" أحدَ أعمدتها الأولى ، تتضح اليوم أهميتـُها مع تفاقم الأزمة الناجمة عن التسوية الرئاسية ، بعد فشلها في تحقيق ما أعلنه أقطابُها من إهتمامٍ بقضايا الناس المعيشية والإقتصادية مع تفشي الفساد والعجز عن الإنجاز، وسقوط لسيادة الدولة في إستعراضات القصير والجاهلية والحمرا ، وفي الجرود على يدِ "حزب الله" في مسرحيةِ تحريرٍ فاشلة ، وقضمِ إنتصار الجيش في عملية "فجر الجرود" ومنع الإحتفال بإنتصاره ، وتلاشي آمال إقامة أيّ شكلٍ من أشكال التوازن السياسي والوطني ، فضلاً عن الإعتداء على مصالحة الجبل وتهديد العيش المشترك على إمتداد مساحة الوطن..
 
 
تعطشٌ لبناني لمشروع وطني ثابت
 
 
ولا شكّ أن معظم اللبنانيين متعطشون لحركةٍ تعيدُ إحياء آمالهم وتعيد بناء قدراتهم في مقاومة الأمرِ الواقع ، وتدافعُ عن الكيان من عبثِ فائضِ القوةِ الصادرِ عن "حزب الله" ، مع تساؤلاتٍ جادّة ومحقة عن كيفية لملمة القِطع المتكسرة لثورةٍ أسقطتها ضرباتٌ عسكرية وإستراتيجية ، وإستمرّت حلماً وطموحاً يتوقُ اللبنانيون لإستعادته ، لأنها شكّلتْ أعمقَ تجسيدٍ للوحدة الوطنية وأعظم لحظاتِ الإنتصار في وجهِ النظام الأمني المستبد الحاكم للبنان وسوريا منذ عقود.
 
 
الأسئلة الكبرى موجودة حول الجدوى والوسائل وإمكانات النجاح ، وتحدّي إحتكار السلطة للخدمات وتدهور أوضاع العدالة والقضاء ، وكيفية التصدي للشؤون الحياتية..
 
لكن قبل محاولة الإجابة يأتي السؤال الأكثر إلحاحاً: هل يتحمّل اللبنانيون الإستمرار في غياب المبادرة والإستسلام لليأس وترك الفراغ الوطني يتفشى؟!
 
بعد التداول مطولاً حول الخيارات المتاحة ، يتضح أنه كان لا بدّ من مبادرةٍ تحرّك المياه الراكدة ، وتفتحُ الباب أمام خياراتٍ ممكنة لإعادة طرح الثوابت الوطنية ، والإنطلاق بها عبر نخبةٍ سياسية مدنية وثقافية وإعلامية تحمل هذه الثوابت وتتمسّك بها ، لتتحوّل إلى مركز إستقطاب في الوجدان الوطني وصولاً إلى  مشروعٍ سياسي قابلٍ للحياة.
 
 
صعوبات وهواجس
 
 
ندرك في المبادرة الوطنية أن الصعاب كبيرة ، والواقع اللبناني يجعل خطوتنا تبدو وكأنها يتيمة في زمنٍ إختفى فيه صوت الإعتراض الجذري على تغوّل "حزب الله" في الحياة السياسية والأمنية والإقتصادية.. وأنه إستطاع أن يبتلع القسم الأكبر من الإعلام ضمن إستراتيجيته القاضمة . 
 
لكن ، وبعد التواصل مع الشرائح النابضة بالحياة في المجتمع المدني والطاقات الزاخرة بالوطنية والتخصّص ، وبالتضحية والكفاءة ، وبالوفاء والجدارة.. أصبحنا على يقين أن بإستطاعنا التقدّم خطوة إلى الأمام نحو المبادرة الوطنية ، لأن هذه الطاقات قرّرت أن تضع نفسها في خدمة الوطن ، من منطلق الحفاظ على حريته وسيادته وإستقلاله ، والنهوض به علماً وتنميةً في جميع المجالات.
 
 
المبادرة وتحدّي الإنتخابات النيابية 
 
 
ليست المبادرة حركة متعجّلة لمواجهة إستحقاقاتٍ داهمة ، وتحديداً الإنتخابات النيابية، رغم أنه سيكون على متنها مرشحون هيـّئوا أنفسهم لخوض الإستحقاق قبل إطلاقها، لكنهم بطبيعة وجودهم الوطني والسياسي ينتمون بشكلٍ طبيعي وتلقائي إلى فكرة المبادرة الوطنية  .
 
صحيح أن الإنتخابات ستشكّلُ محطةً هامة في الحياة السياسية ، لكن الأهم هو الإستجابة لإفتقاد لبنان لحركٍة سياديةٍ دائمة الحضور ، مستمرة الفعالية ، غير خاضعة لمتغيّرات المصالح الحزبية المتقلّبة والمتحوّلة ، خاصة بعد الفراغ الهائل الذي تركهُ إنهيار تجربة قوى 14 آذار على المستوى الوطني ، وما لمسه اللبنانيون من حاجةٍ ماسة إلى جسمٍ سياسي يحمل ثوابتهم بلا كللٍ أو توانٍ ، أمام ما يواجهه مشروعُ الدولة من عدوانٍ عليه ، ومن ضربٍ لأُسُسِ عمل المؤسسات الشرعية ، الدستورية والأمنية ، على حدٍ سواء.
 
 
 
الأولويات الملحّة
 
 
الأولوية الآن لبناء جسم وطني يكتسب مناعته وصلابته من التمسك بمشروع الدولي والحفاظ على السلم الأهلي مع إبقاء المواجهة السياسية والإعلامية عالية المستوى مع "حزب الله" ، والعمل على إسقاط كل تبريرات السكوت على عدوانه المستمر على الدولة والكيان ، فلا يجب السماح بالتطبيع مع كسر شوكة الدولة على أيّ مستوى كان ، ويجب التصدي لمحاولات إعادة النظام الأمني بإستهداف الناشطين وعودة الإعتقالات لإسكات الرأي المعارض..
 
 
يحتاج اللبنانيون إلى منصةٍ تواظب على ضخّ الحقائق دون مواربة ،
يحتاجون إلى عقولٍ تحسن التخطيط وإلى كفاءات تتقن التنفيذ 
يحتاجون إلى رفع معنوياتهم بعد أن ضرب الإحباط عميقاً في النفوس والقلوب ، وبات يحتاج إلى عملية جراحةٍ سياسية وطنية لإستئصال خلاياه القاتلة!
 يحتاج اللبنانيون بكل توجهاتهم وإنتماءاتهم أن يدركوا أن الحقيقة التي يجب وضعُها كثابتة لا عودة عنها ، وهي الإنتماء العربي للبنان هو الخيار الطبيعي والسليم ، وأنه لا مجال لمقارنة هذا الإنتماء بأي إنتماء آخر ، وأن الإنخراط في المحور الإيراني لا يمكن أن يجلب السلام ، لأن إيران دولة عدوان وإختراق وحروب دائمة ، مباشرة ومستـتـِرة ، ولا يستطيع نظام ولاية الفقيه أن يكون مستقراً لأنه قائمٌ على التوسّع والهيمنة والسيطرة ، والأسوأ من هذا كلّه أن ضرب فكرة المقاومة المشروعة ورهنها للمشروع الإيراني ، فضاع الحقّ وتمكن الصهاينة من تحقيق نقاط كثيرة لصالحهم جراء دسّ إيران أنفها في القضايا العربية المحقة.
 
يحتاج اللبنانيون إلى عودة محيطهم العربي إليهم بإنفتاحٍ صادق وإلى ملاقاة الموقف العربي ، وخاصة موقف المملكة العربية السعودية بصيغةٍ تحفظ السلم الأهلي ، وتعيد المواجهة مع "حزب الله" إلى الخطوط الأولى ، التي عندما تعرّض للضغط الكافي رجع إليها ، ولو مكرهاً.. فلا أمل في أي تغيير ولو بسيط من دون كسر هيمنة الحزب على لبنان.
 
 
يحتاج المسلمون ، والحركات الإسلامية خاصة ، إلى إعادة التفكير في مقارباتهم وأن يتوقفوا عن سجن أنفسهم في مربعاتٍ لم يستطيعوا الخروج منها منذ نشأة الحراك الإسلامي قبل ما يزيد عن الستين عاماً..
 
 
يحتاج الجميع ، مسلمين ومسيحيين ، إلى نظرة متقدّمة نحو الشراكة الوطنية يطمئن بها الجميع إلى أن لا أحد يستطيع أن يكسر أحداً ولا أن يحمي أحداً مهما بلغت قوّته ، فحماية الأقليات لبعضها وهم لا يسقطه إلا الإنتماء إلى الدولة القوية العادلة الحرة.
 
 
وإلى الآملين من التسوية شيئاً من تحسين أحوال الناس نقول لهم : ها هو الصراع على الفساد يأكل الأخضر واليابس ويضرب الفريق الوزاريّ الواحد برعاية العهد القويّ . 
فلا أمل من تركيبةٍ تطلق يدَ التطرف ليضرب المصالحة ، وتغلّ يد أطرافٍ سيادية دخلتها وهي تتعرّض للإختناق داخلها.
 
 
أخيراً ،
 
 
ندعو اللبنانيين إلى ملاقاة المبادرة الوطنية والإنخراط في صفوفها ، لأنها عملياً تشكل الفرصة المناسِبة لإقامة حركة ثابتة تنشأ بثباتٍ وتتمتع بالإستمرارية ، لأنه مخطئ من يظن أن بالإمكان مواجهة كل هذه الكارثة الوطنية بعصا سحرية ، لكن الأكيد أنه من واجبنا إيقاظ الوعي الوطني ، وحمل الثوابت وتبنـّي مطالب المواطنين ، في الطريق إلى بناء تيار راسخٍ في الأرض وقادرٍ على إبقاء جذوة المقاومة متوهجة ، ويستثمر الطاقات في تظهير موقف شعبي وأهليّ صامد ، يواكب اليوميات السياسية ويراكم للتغيير ، بالسرعة التي تتفشى فيها عدوى المقاومة لكل من يريد الإعتداء على الكيان اللبناني وسيادته وحريته وإستقراره وعيشه المشترك.