أخطأ مسعود بارزاني في قراءة الظروف الإقليمية والدولية الحالية
 

أطل بالأمس رئيس إقليم كردستان العراق مسعود  بارزاني ليعلن تنحيه عن رئاسة الإقليم بعد الإستفتاء الذي حصل والتداعيات التي نتجت عنه.
وفي كلمته قال  بارزاني " لن أستمر في هذا المنصب بعد الأول من تشرين الثاني وأرفض الإستمرار فيه ولا يجوز تعديل قانون رئاسة الإقليم وتمديد عمر الرئاسة " وأضاف " سأبقى في البشمركة ضمن صفوف شعب كردستان و 3 ملايين كردي صوتوا لصالح إستقلال كردستان صنعت تاريخا لا يمكن محوه".
وأكد بارزاني أن " ما حصل بعد الإستفتاء هو خيانة قومية فلو كان لدينا نية الإستقلال لأعلنا ذلك عندما كان الجيش العراقي منهارا أمام داعش " ووصف الأمر بأنه " كسر لإرادة كردستان التي تخلى عنها الجميع حتى أميركا التي ربما أرادت معاقبتنا ولم يقف مع شعبنا إلا جبال كردستان ".
وبعد كلمته هذا ، أقر البرلمان الكردي في أربيل توزيع صلاحيات رئيس الإقليم حتى موعد إجراء الإنتخابات الرئاسية التي لم تحدد بعد.

إقرأ أيضا : إقليم كردستان العراق، وتلويحه بالإنفصال

خسارة مكتسبات ما بعد 2003 :

لا شك أن من يراقب صورة  بارزاني وهو يتلو رسالته الإعلامية يدرك جيدا حجم الغضب الذي يبديه الرجل من الحلفاء قبل الأعداء.
فما حصل بعد الإستفتاء لم يكن متوقعا ولم يكن على هوى مسعود والذي يجمع معظم المراقبون أنه إرتكب خطأ إستراتيجيا لناحية التوقيت في إعلان الإستفتاء على الإنفصال عن العراق.
وبسبب هذا الخطأ ، خسرت كردستان العديد من الأراضي التي إكتسبتها بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003  كمناطق في كركوك ونينوى وديالى وصلاح الدين علما أن  حكومة بغداد تعتبر إقليم كردستان على أنه المنطقة الجغرافية  التي تشمل محافظات السليمانية وحلبجة ودهوك وأربيل فقط بحسب جريدة " النهار ".
ويتحمل مسعود  بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسؤولية ما حصل من خسائر بالدرجة الأولى كونه لم يقرأ جيدا الظروف الإقليمية والدولية.
لكن هناك خيانة حصلت أيضا سهلت ما حصل خصوصا في كركوك حيث جرى تسليم المحافظة للقوات الإتحادية من دون قتال بعد الإتفاق الذي تم بين حزب الإتحاد الوطني الكردستاني وحكومة بغداد وقضى بإنسحاب عناصر من البشمركة من كركوك.

إقرأ أيضا : إيران وإستفتاء إقليم كردستان

خطأ في التوقيت :

لم يقرأ  بارزاني  الظروف الإقليمية والدولية بطريقة جيدة ، فأميركا كانت رافضة للفكرة حاليا وصرحت بضرورة التركيز على مقاتلة داعش في المرحلة الحالية لكي لا تتشتت القوى المناهضة للتنظيم الإرهابي.
وموقف أميركا كان واقعيا ويستند إلى أرض الميدان إذا أنه ما أن بدأت القوات الإتحادية حملتها على كركوك حتى إحتل داعش العديد من القرى في المحافظة بسبب " الإلهاء " الذي حصل وللمراقب أن يتوقع ما كان سيحصل لو إندلعت حرب واسعة بين أربيل وبغداد.
إضافة إلى هذا ، كان هناك رفض إقليمي واضح من تركيا وإيران لمشروع الإنفصال لأسباب لها علاقة بطموحات الأكراد داخل البلدين.
كل هذه الظروف ساهمت في إفشال مخطط الإنفصال حاليا وتوجيه ضربة قوية له.

إقرأ أيضا : حلم الكورد ... إستفتاء كردستان لا يعني قيام الدولة الآن

لم تنته القصة:

لكن هذا لا يعني نهاية قصة دولة كردستان فالقصة طويلة وهي بالأصل قديمة وعمرها عشرات السنوات ولم تقفل بعد وما نشاهده اليوم هي مجرد فصول تنتهي لتفتح فصول أخرى وتبقى النزعة الإنفصالية في كردستان واضحة.
فأن يستقيل مسعود  بارزاني من رئاسة الإقليم لا يعني أن دور الرجل إنتهى فهو الأقوى في الإقليم والأكثر شعبية ويعتبر رمز كرمزية جبال كردستان وما سيحاول القيام به في الفترة اللاحقة هو إدارة اللعبة من خلف وإعطاء دور أكبر لقيادات حزبه ومن بينهم إبن أخيه نيجيرفان  بارزاني وسط شكوك تحوم حول مستقبل نجله القيادي في البشمركة مسرور بارزاني وهو مستشار أمن كردستان.
أما عن الإستفتاء فالتفاوض الذي يحصل حاليا هو على تجميده أو إلغائه ، ففي حين تصر كردستان على تجميد الإستفتاء تطالب بغداد بإلغائه كشرط لأي حوار.

 

 

إقرأ أيضا : البارزاني يعلن أنه سيتنحى من رئاسة إقليم كردستان بعد 1 تشرين الثاني
والواضح الأكيد أن الإستفتاء الذي حصل هو ركيزة أساسية ومنطلق لأي حوار مستقبلي بين الأكراد والعراقيين والذي قد يتنازل فيه الأكراد ويقبلون بإلغاء الإستفتاء حتى توفر الظرف والتوقيت المناسبين أو ربما يلجأون إلى أسلوب المناورة والمماطلة ويتمسكون به كونه مكسب شعبي لا يجرأ أحد على المطالبة بإلغائه خصوصا أن بغداد أقدمت على أقصى ما يمكن فعله حاليا وهي تدرك أنها لا تستطيع تخطي حدود أراضي كردستان التاريخية لأن موقف أميركا حينها سيتغير وتنقلب الأمور رأسا على عقب.
هي مشكلة تبدو في التوقيت لا في الهدف وأساء مسعود إختيار التوقيت الصحيح فإنكسر وبقي الحلم الكردي الذي سيتعزز أكثر في المستقبل كون مسعود بارزاني آخر القيادات الكردية التاريخية التي كانت محبة لفكرة الوحدة مع العراق لو نجحت , أما القادم من القيادات فكلها تتمسك بنزعات إنفصالية .