يرسم الوضع الراهن في غوطة دمشق الشرقية صورة من أشد الصور الوحشية، التي اتسمت بها سياسات نظام الأسد وحلفائه في سوريا. فقصف قوات النظام مستمر ومتصاعد على المنطقة، ومحاولاته مستمرة لاقتحام مناطقها خصوصاً القريبة من وسط دمشق على ما هو الحال في حي جوبر الذي لا يبعد عن قلب دمشق أكثر من ثلاثة كيلومترات، فيما تشدد قوات النظام وحلفائه حصارها على مدن الغوطة وبلداتها، التي يصل عدد المقيمين فيها إلى 350 ألف نسمة، أنهكتهم ودمرت قدراتهم الحرب والحصار المستمران منذ أكثر من أربع سنوات.
وترسم وقائع ما يجري في الغوطة وحولها، وضعاً كارثياً خصوصاً في جانبه المتعلق بأطفال الغوطة، حيث نقلت تقارير صحافية، أن عشرات منهم ماتوا في الأسابيع القليلة بسبب فقدان الغذاء ولا سيما حليب الأطفال. كما يموت الكبار لفقد الغذاء وقلته، وهذا باستثناء الضحايا الآخرين الذين يموتون لأسباب أخرى بينها فقدان الدواء أو العمليات العسكرية والقصف، وأعدادهم بالعشرات يومياً.
لقد أدى الحصار المحكم لقوات النظام على الغوطة إلى إغلاق المعابر القليلة، التي كانت تحيط بالغوطة، وتسمح بصورة جزئية بمرور بعض الاحتياجات الإنسانية الضرورية من غذاء ودواء، التي كان يمررها عملاء للنظام، يستنزفون ما تبقى من قدرات متواضعة لسكان الغوطة، ويتقاسمونها مع النافذين في قوات النظام وميليشياته، والفاسدين من عملائهم في التشكيلات المسلحة.
ولم يكن بإمكان النظام الاستيلاء على المعابر وإغلاقها، لولا الحروب المجنونة التي خاضتها الجماعات المسلحة فيما بينها في العامين الأخيرين، والتي لم تضعف مقاومة الغوطة في مواجهة النظام من الناحيتين السياسية والعسكرية فقط، وإنما جعلت النظام يتشدد في عملياته للسيطرة على الغوطة ضمن مساعيه في تحصين وتأمين مركز سلطته في دمشق بالسيطرة على منطقة استراتيجية قريبة من وسط المدينة، وتتحكم بشريان مواصلاته الحيوية لقربها من مطار دمشق الدولي.
وبطبيعة الحال، فإن هذه التطورات أكدت حضورها في عملية ضم الغوطة إلى مناطق خفض التصعيد طبقاً لاتفاقات آستانة ذات الرعاية الروسية، التي تتضمن في محتوياتها الأساسية، وقف الهجمات العسكرية من جهة، والسماح بمرور مساعدات، تشمل الأدوية والغذاء لتك المناطق في إطار مساعي إعادة تطبيع الحياة فيها، وصولاً إلى الحلول السياسية المقبلة.
وبدل الذهاب إلى تنفيذ الاتفاق في الغوطة، فإن نظام الأسد وحلفائه انخرطوا في سياسة مختلفة. فشددوا الحصار توازياً مع تصعيد هجماتهم العسكرية بالقوات كما يحصل على أكثر من جبهة في الغوطة، ومن خلال هجماتهم بالطيران التي شارك فيها طيران النظام، والطيران الروسي مرات كثيرة تحت حجة ضرب مواقع «الإرهابيين» في إشارة للتشكيلات المسلحة بما فيها جماعات مشاركة في آستانة.
وتعكس مشاركة الطيران الروسي في الهجمات وفي السكوت عن سياسات النظام حيال الغوطة، أكثر من التخلي عن اتفاق ضم الغوطة إلى مناطق خفض التصعيد، وصولاً إلى المشاركة في تحقيق أهداف نظام الأسد من هجماته على الغوطة وحصارها، التي تشمل مزيداً من القتل والتدمير تمهيداً لإعادة السيطرة على المنطقة بأقل قدر من السكان.
وتضع وقائع ما يجري في الغوطة وحولها أطراف آستانة بما فيها ممثلو التشكيلات السورية المسلحة وتركيا على وجه الخصوص أمام مسؤولياتها في تأكيد سريان اتفاق خفض التصعيد على الغوطة، ووضعه موضع التنفيذ العملي وتجاوز كل المبررات الكاذبة والادعاءات، التي يعلنها النظام والروس على السواء، بوقف الحرب على الغوطة والسماح بمرور البضائع المساعدات على أوسع نطاق في الحد الأدنى، والبدء في معالجة الأوضاع المأساوية هناك، والتي تتعلق بالغذاء والدواء والسكن والتعليم.
كما تضع وقائع ما يجري في الغوطة وحولها المجتمع الدولي بدوله ومؤسساته وهيئاته أمام مسؤولياتهم في متابعة أوضاع الغوطة الكارثية والدفع إلى قرارات وسياسات من شأنها ليس فقط معالجة الوضع الراهن للغوطة، وإنما معالجة القضية السورية، التي لم تعد في الأهم من جوانبها سوى استمرار عمليات القتل والتدمير ليس إلا، خصوصا بعد ما تحقق من تقدم في الحرب على «داعش» في شرق البلاد، التي تم استخدامها على نطاق واسع مبرراً لتخلي دول ومؤسسات عن مسؤولياتهم إزاء قتل السوريين وتدمير بلادهم وقدراتهم المتهاوية.