تضيف العقوبات الأميركية على «الحرس الثوري» الإيراني و «حزب الله» بذريعة مخالفة البرنامج الصاروخي الباليستي لطهران ودورها في زعزعة الاستقرار الإقليمي، والتي ستأخذ طريقها إلى النفاذ قريباً، عنصراً جديداً في المواجهة الدولية مع حكم ولاية الفقيه وتمدده الخارجي، لكن الأرجح أنها لن تفعل فعلها في ثني «الحرس الثوري» عن مواصلة استراتيجيته في المنطقة.
العقوبات قد تفرض عليه جهداً للتحايل عليها ومواربتها بمساعدة دول أخرى (العين على قطر ولبنان...)، وتدفعه إلى التشدد أكثر في الداخل إزاء احتجاجات الإصلاحيين على إنفاقه أموال البلد الغني، على التسلح والتوسع الإقليمي، وتجاهل حاجات مجتمع فتي يعاني البطالة في المدن، وفي أرياف غارقة في الفقر والتخلف... لكنها لن تعدّل الطموحات الإيرانية.
إذا كان هدف العقوبات كما قال وزير الخارجية ريكس تيلرسون التأثير في الداخل لإحداث التغيير في النظام، فإن انضمام الرئيس حسن روحاني إلى المفاخرة بأنه «لا يمكن في العراق وسورية ولبنان وشمال أفريقيا والخليج الفارسي القيام بأي خطوة حاسمة» (بعض الترجمات استخدم عبارة مصيرية) من دون الدولة الفارسية، يدل إلى أن على واشنطن أن تنتظر طويلاً قبل حصول التغيير. فموازين القوى الداخلية تجبر أمثال روحاني على الالتحاق بـ «الحرس» طالما أن وظيفة وجوده لم تتحقق: إراحة الاقتصاد برفع العقوبات.
الأسئلة كثيرة عما إذا كان نهج إدارة دونالد ترامب مختلف في العمق والجوهر، عن نهج سلفه باراك أوباما حيال طهران. فالأخير، حين برر أمام الأميركيين توقيعه الاتفاق النووي عام 2015، (لمن يتذكر) أبقى العقوبات المتعلقة ببرنامجها الصاروخي، وزعزعتها استقرار جيرانها وتدخلاتها الإقليمية، وخرقها لحقوق الإنسان... فهل يختلف قول ترامب ومستشاره للأمن القومي الجنرال هربرت ماكماستر «أينما تحل المشكلات وتشتعل الفتن بين المجتمعات وتدور رحى العنف المدمرة، ترى أيادي الحرس الثوري الإيراني»، عن موقف أوباما؟
مشكلة الموقف الأميركي هي في الانطباع الدائم الذي يطرحه ديبلوماسيون أميركيون سابقون ومنهم موفد واشنطن السابق إلى سورية السفير روبرت فورد: تأخرنا في مواجهة نفوذ طهران. ولا يقتصر استنتاج خبراء غربيين على القول إن العقوبات قد تزيد من نفوذ «الحرس الثوري» على الوضع الاقتصادي بحجة مواجهة هجمة واشنطن العقابية، بل يتخطاه عند المتابعين للسلوك الأميركي إلى الحقائق الواقعية: أي تعديل في نفوذ طهران يفترض أن يتم ميدانياً أولاً وأخيراً. وعلى واشنطن أن تغادر السياسات التي تعاقبت عليها الإدارات في العقود الماضية، والتي غضت الطرف عن توسع «الحرس» في المنطقة، فكانت ترفض الإقرار بأن طهران تتدخل في اليمن لدعم الحوثيين، قبل أكثر من 10 سنوات. وحين انكشف التدخل اعتمدت نظرية الإفادة من تقاتل الحوثيين مع «القاعدة». وواشنطن هي التي أخلت الساحة لإيران في العراق، وتركت لها أن تتغلغل في سورية بذريعة قتال «داعش»، وبالتالي أن تمتّن دورها في لبنان. وحسن النية قد يدفع إلى القول أنها فعلت كل ذلك من دون تحسب لمرحلة ما بعد «القاعدة» و «داعش» ولمن يملأ الفراغ بعد انحسارهما. لكن الحقيقة هي أن واشنطن ارتكزت إلى هدف ضمني خبيث عبّر عنه أوباما حين أمل بإحداث توازن بين القطب الشيعي وبين الدول السنّية في المنطقة، بإضعاف الأخيرة، فكان مآل هذه السياسة خراب الإقليم وإضعاف الدول العربية، وتهشيم النسيج الاجتماعي في العديد منها، وتقدم إيران على حسابها. وإذا كان حسن النية يفترض أن هناك «صحوة» أميركية إزاء الأضرار الهائلة لتلك السياسة، فإن تصويب الأمور يحتاج أكثر من العقوبات. فماذا فعلت واشنطن، ميدانياً، لإخراج إيران من اليمن؟ وماذا ستفعل عملياً لسحب ميليشيات إيران من العراق بعد أن اعتبرتها شريكاً في قتال «داعش» وبعد أن جرى تشريعها؟ وهل يمكن أي متابع أن يجد تعريفاً مفهوماً لخططها في سورية؟ قد يستثني المرء السؤال عن سياستها في لبنان طالما أن «التسوية» فيه جنبت البلد الصغير الحرب الدائرة في الدول الثلاث الأخرى، وجعلت منه «ملتقى» لخدمات تلك الحروب، وما دامت تدعم تقوية الجيش اللبناني والمؤسسات، لأن المعادلة فيه تخضع لموازين القوى في دول أكثر أهمية.
امتنعت طهران سابقاً عن الاستجابة لمحاولة أوباما التفاوض معها على أزمات المنطقة، برفض البحث في أي أمر غير الاتفاق على النووي، مستقوية بحاجته إلى إنجازه. وإذا كان ترامب يأمل من العقوبات جرها إلى التفاوض، كيف يمكنه ذلك من دون تعديل الواقع الميداني، في أي من الدول المحورية، أو على الأقل من دون اتفاقه مع اللاعب القوي الجديد، روسيا؟