لم تُبرز الصحيفة مادة إخبارية سياسية دسمة لدولة الرئيس نبيه بري بل ركّزت على مشاعره النبيلة تجاه السيد حسن نصرالله
 

هي ليست وسيلة للمنافسة لغياب المنافس وإنتهاء دور الوسيط الورقي في التعبئة الإعلامية المطلوبة لصالح الممّول وهي ليست للتجارة بغية الكسب الحلال باعتبار أن الصحف تُخسر ولا تربح وهي بحاجة ماسة ودائمة لفئات كبيرة وبكميات هائلة من الورق المالي كيّ تتمكن من الإستمرار طباعة و انتشاراً وكي تُسمع جيداً بعد أن تُقرأ من قبل زبائن انقرضوا ولم يبق منهم سوى القلة من أهل القراءة الورقية .
لا يسعنا إلاّ الترحيب بمولود جاء دون مخاض ودون مقدمات لأنه ولد في اللحظة الخاطئة إذ أنه ذهب إلى مكّة قاصداَ الحج والناس عائدة من أيامه المعدودات ولكن يبقى الرهان قائماً على أي وسيط نزيه يحاول أن يكون لساناً وشفتين لقضايا وطنية لا لأمور طائفية ومذهبية ولصالح مصالح خارجية .

إقرأ أيضا : بري استقبل اسرة جريدة الإتحاد اللبنانية
ليس من باب البراءة أن يكون الرئيس نبيه بري الأوّل في أوّل عدد من الصحيفة و أن يطل صحافيوها من مقابلة دولة الدولة لا للإحتماء الطائفي بقدر ما يحتاجه المموّل لشرعية المشرّع السياسي الذي يعطي صلاحية العمل والدور في دائرة توظيفية لا وظيفية وهذا ما يُهيء الظروف المناسبة والمساعدة كيّ تأخذ الصحيفة فرصتها المطلوبة لتبرز لا كمادة تحليلية بل كوسيط يمشي باتجاه أهداف معينة في السياسية الإعلامية .
لم تُبرز الصحيفة مادة إخبارية سياسية دسمة لدولة الرئيس بل ركّزت على مشاعره النبيلة تجاه السيد حسن نصرالله وهنا أوقعت الصحيفة نفسها في الشباك الشخصي لتؤكد الهوية غير الضائعة للصحيفة والتي لم تتبرقع كيّ لا تكشف وجهها فكانت صراحتها في هذا المجال واضحة أيّ أنها كاتبة لصالح المحور المنتصر لا المهزوم في لبنان بمعنى آخر يبدو أن الصحيفة دفعت بكامل ما عندها من اللحظة الأولى لصدورها بانتهاز ربع قرن من عمر الرئيس في المجلس النيابي أي أنها اختارت الحقبة التاريخية بمدلولاتها السياسية لتنتسب لها ولتؤكد أنها ليست وليدة الصدفة بقدر ما هي صنيعة سياسة مساهمة فيها من خلال إنتماء المؤسس لها والذي انتظر طويلاً خارج المسرح السياسي كيّ يُنصف أخيراً بصحيفة لن تقدم أو تؤخر في ظل الشبكات الإلكترونية التي أنهت الدور الذي لعبه الإعلام المقروء .

إقرأ أيضا : المعارضة الشيعية أحرجتهم ... جريدة الأخبار أفلست وتفتقر إلى الإبداع
ثمّة محاولة لإحياء الإعلام المقروء بتوظيف خطاب سياسي وثقافي غير نمطي وغير مشبع بالإيديولوجيا العنصرية ويتسع ليشمل شعارات متشابهة في الشكل من خلال استقطاب الأفكار المعادية للغرب في نظرته للشرق تماماً كما فعلت وتفعل قناة الميادين إذ أنها تزاوج ما بين اليسار والإسلام الجهادي بصيغة المقاومة بعد أن سُمح لها التحرر من عقال الشريعة المقيدة للحركة الإعلامية كون الإعلام الموجه يتغذى من المال الحلال ومن صناديق الزكاة والحقوق الشرعية .
لهذا شهدنا صدور عدد أوّل من جريدة الإتحاد في ظل تحديات مهددة لإمكانية إستمرار الصدور بعد أن رحلت صحيفة السفير التي كانت صوتاً لليسار وباتت صوتاً للمقاومة والممانعة ولم يسعفها ذلك من التسكير ولم يبادر أحد لإيقاف عملية تدهور أحوال " الجريدة " . وباتت الصحف الباقية رهن إشارة الموت لأنها لم تعد صالحة كوسيط ناشط يتكىء عليه القارىء لمعرفة أمور الساعة السياسية .
إذاً ما الداعي إلى ولادة مشروع خاسر على ضوء تجربة الإعلام المقروء الميّت في لبنان ؟  
لا توجد إجابة بالمعنى الحرفي ولكن توجد إجابة بالمعنى المعرفي والتي تؤسس لإختبار التجربة الجديدة في لبنان  والتي حسمت معركتها لصالح التشويق لا التسويق طالما أن المال أمسى وسيلة وليس هدفاً .