هل ستجلس أميركا وإيران على طاولة الحوار في النهاية للتفاوض على مستقبل المنطقة ؟
 

كانت تفجيرات بيروت يوم 23 تشرين الأول 1983 والتي إستهدفت بشاحنتين مفخختين مبنيين للقوات الأميركية  والفرنسية أقوى مؤشر على إنقلاب ميزان القوى داخل لبنان والذي إستتبع لاحقا بإسقاط إتفاق 17 أيار بين لبنان وإسرائيل.
أدت التفجيرات إلى مقتل 241 جنديا أميركيا و 58 فرنسيا و 2 من المهاجمين و 6 مدنيين وجرح العشرات وكانت أقوى ضربة تتلقاها أميركا في تاريخها منذ هجمات بيرل هاربر في الحرب العالمية الثانية حتى هجمات 11 أيلول 2001.
وبسبب هذه التفجيرات إنسحبت القوات المتعددة الجنسيات التي كانت قد إنتشرت في لبنان بعد الإجتياح الإسرائيلي عام 1982 وإخراج منظمة التحرير الفلسطيني من البلاد، وتبنت هذه التفجيرات حركة الجهاد الإسلامي ويعتقد أنها كانت تضم الكوادر الأولى لحزب الله كون الحزب لم يتبن العملية حتى تاريخ اليوم.
وبعد سطوع نجم حزب الله بقوة عام 1985 تم فرض عقوبات إقتصادية عليه من قبل أميركا وصنفته  " منظمة إرهابية " لتورط قادته ب " دماء أميركيين  كثر " حسب السياسة الخارجية الأميركية لمكافحة الإرهاب.
لكن من وقت حصول هذه التفجيرات حتى العام الماضي لم تكن أميركا تهتم كثيرا بذكرى الواقعة بل كانت تقتصر على بيان مقتضب من الرئيس الأميركي يستذكر الواقعة.

إقرأ أيضا : واشنطن بوست: أزمة قادمة بين إيران وأميركا.. وهذه هي الأسباب

الكل مستنفر في واشنطن :

 هذا العام ، لفت إنتباه وسائل الإعلام ومحللي السياسة الدولية الأهمية التي أعطتها إدارة الرئيس دونالد ترمب للذكرى، فإستنفرت أقسام الإدارة وتوعدت حزب الله بدفع الثمن.
في الذكرى ال 34 للتفجيرات تحدث مستشار الأمن القومي الأميركي أيتش آر ماكماستر في ثكنة المارينز بالعاصمة الأميركية واشنطن وإتهم حزب الله بأنه إرتكب " جريمة القتل الجماعية هذه نيابة عن الحرس الثوري الإيراني " وأضاف ماكماستر أن " القتلة الذين نفذوا الهجوم أصبحوا قادة بارزين في حزب الله ".
أما نائب الرئيس مايك بينس فقال : " قادة إيران الثيوقراطيون ساعدوا وأيدوا المفجرين في بيروت قبل 34 عاما " وأن " ترمب لن يجلس ويتفرج على آيات الله في طهران وهم يخططون للمزيد من الهجمات المماثلة للهجوم الرهيب الذي نتذكره اليوم ".
هذه التصريحات التصعيدية من أروقة الإدارة الأميركية تندرج في سياق الإستراتيجية الأميركية التي أعلنها ترمب الأسبوع الماضي ضد طهران وأذرعها في المنطقة.
فترمب يحاول بقدر الإمكان تصوير حزب الله على أنه لا يختلف عن تنظيمي داعش والقاعدة ليكون لديه المبرر الكافي لمكافحة نشاطاته في المنطقة والعالم، وفي سياق محاولات ترمب الحثيثة لإقناع العالم وخصوصا الإتحاد الأوروبي بذلك  يجهد الساسة الأميركيون على إعتبار تفجيرات بيروت 1983 أنها الصفحة  الأولى من كتاب الإرهاب الدولي ومن شأن ذلك التأسيس لأسباب كافية بحسب أميركا لمحاربة حزب الله وإيران بالطريقة التي تمت مع داعش .

إقرأ أيضا : هل يستفيد الحرس الثوري الإيراني من التوتر بين واشنطن وطهران؟
وسبق أن ألمح وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان للموضوع وتحدث عن تحالف دولي لمحاربة حزب الله.

وبدأ ترمب تطبيق إستراتيجيته ضد إيران عبر التهديد بإلغاء الإتفاق النووي وفرض عقوبات على الحرس الثوري وحزب الله وإعلان جوائز مالية عن من يزود أميركا بداتا عن قادة داخل الحزب وأخيرا دعوة  وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون لمن سماهم ميليشيات إيرانية في العراق بالمغادرة إلى ديارهم.
ضمن هذا السرد ، يتبين أن إدارة ترمب تريد تسليط الضوء على حزب الله وإيران  في مرحلة ما بعد داعش لكن هذا لا يعني بالضرورة حملة عسكرية وإن كانت خيارا مطروحا على الطاولة لكنه مستبعد جدا في هذه الفترة.
عن هذه النقطة بالتحديد يجب توقع قرارات ترمب عبر قراءة شخصيته وخلفيته فالرجل القادم من عالم الأعمال يعشق إجراء الصفقات الكبرى والتي تتطلب تهديد من هنا وضغوطات من هناك من أجل تحصيل المكسب  وهو بارع في أسلوب الإبتزاز والتهديد وهذا ما يزعج إيران هذه الأيام.
بالأمس ، تساءل الرئيس الإيراني حسن روحاني قائلا : " أين من الممكن في العراق وسوريا ولبنان وشمال أفريقيا والخليج الفارسي إتخاذ قرار حاسم دون أخذ الموقف الإيراني في الإعتبار ؟" وهو تصريح له دلالات كبيرة ويحمل رسائل لترمب ليست بالضرورة سلبية بل إيجابية ربما بأن إيران جاهزة للتفاوض في نهاية الأمر والنقاش في التفاصيل.

إقرأ أيضا : شيفرة صور سليماني انفكت.. وهذه قصة صناديق الخميني المنتشرة ببيروت
من هنا ، يمكن توقع أن المرحلة المقبلة ستشهد المزيد من الضغوطات الأميركية على إيران وحزب الله ويخشى أن يكون تنفيس هذه الضغوطات حربا تندلع بين إسرائيل والحزب خصوصا بعد إتهامات وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان للسيد حسن نصر الله بإعطاء الأمر لخلية سورية بقصف الجولان دون علم دمشق.
وتجنب هذه الحرب وغيرها من الحروب متوقف على عدة أمور منها حسن تقدير ترمب للنفوذ الإيراني في المنطقة وقدرته على ضبط وحصر ردود إسرائيل بقواعد اللعبة الحالية وقراءة إيران للضغوطات الأميركية بطريقة جيدة من دون إستفزازات والقبول بالتنازلات.
فيما لو توفرت هذه العوامل ستنتج عنها صفقة العصر التي ستشعر الجميع بنشوة النصر من دون حرب أو دماء ، والقضية الفلسطينية ستكون أبرز أعمدة هذه الصفقة وعلى ما يبدو أن محركات سلطنة عمان أعيد تشغيلها للبدء في تنظيم حوار ثنائي بين الطرفين .
فإيران بالأخير تجيد قراءة المتغيرات والتأقلم معها لكن عليها أن لا تغالي كثيرا في الإتكال على تجارب الماضي كون من يسكن البيت الأبيض رجل غريب الأطوار لم يشهد العالم مثيل له.