دار الفتوى في طرابلس تحت وطأة الضغط الإنتخابي : إلزامية الولاء للحريري ورمي الحرم على خصومه ، آخر إبداعات الشعار!!
 
وقف سماحة مفتي طرابلس والشمال الشيخ الدكتور مالك الشعار بين يدي أحمد الحريري الأمين العام لتيار المستقبل ليدلي بخطاب مديح من الوزن الثقيل ، وضع فيه أهلَ طرابلس بين خيار الإلتزام بالولاء لرئيس الحكومة سعد الحريري أو الخيانة (الدينية ، كون المتكلم مفتياً) والخيانة الوطنية ، كونه تحدث في الشأن اللبناني العام.
 
 
 
خلاصة كلمة المفتي الشعار
 
 
قال المفتي الشعار:"بوجود الأخ العزيز الغالي أحمد الحريري، الذي يقوم بزيارة لمدينتنا من أجل قضية واحدة، ان رفيق الحريري غاب بجسده عنا، وترك منهجاً وطريقة وراية، وفكراً وثقافة، حمل اللواء من بعده سعد. الإجماعُ الذي ينعقد على رفيق الحريري، والولاءُ لرفيق الحريري يعني الولاء من بعده لسعد ابن رفيق الحريري، التلاعبُ في الكلام العام أننا مع رفيق الحريري ثم تغيير وتبديل، هذا كلام لا أعتقد ان فيه شيئا من الوفاء أو من المضمون، الذي يربط لبنان بشخص وفكر وراية رفيق الحريري رحمه الله".
وأضاف: " (..) الولاء من بعد رفيق الحريري ينبغي أن يكون لهذا الأمير الشاب المقاوم الصابر.. هذا الوفاء سيترجم بعاطفة وفكر وموقف واحتضان لكل مواقف سعد الحريري.."
 لبنان كان سيؤول أمره الى الخراب، الى انتهاء الدولة اللبنانية ، حاول حزب الله ان يملأ الفراغ، وحاولت القوات (اللبنانية) ان تملأ الفراغ، وحاولوا جميعا ان يملأوا الفراغ، ولم يتم ملء الفراغ الا عندما قال سعد كلمته، وهذا يدل على أن هذا الفكر الواعي، إنما يمثل رجل دولة بامتياز، ما عرفت يوما سعد الحريري زعيما سنيا متعصبا، إنما زعيما وطنيا يحتضن لبنان بكل طوائفه بكل مذاهبه. ما الذي جعله يعض على الجراح، ويعلن ربط النزاع بينه وبين الحزب وبينه وبين الاخرين، غير مصلحة الوطن، ومصلحة لبنان ومستقبله".
 
وتابع الشعار:"شيخ أحمد، ابلغ الرئيس سعد ان طرابلس تكتنز له من الحب والوفاء والخير، اخبره ان يكمل مسيرته على بركة الله، لنا ثقة به وبوطنيته، وبعزمه، وبأنه لن يفرط لا بالسنة ولا بالشيعة، ولا بالموارنة ولا بالروم ولا بأحد، سعد زعيم وطني، أبلغ سعداً ان مكانته محفوظة وله صدر المجلس. وان شاء الله سنتعاون واياكم على مصلحة البلد، والوطن، وثقوا وانا من مركزي الديني، ثقوا من أنه ينبغي أن نحتضن الوطن وأن لا نفكر تفكيرا مذهبيا او طائفيا وأن لا نشد العصب الطائفي والمذهبي والغريزي عند كل منعطف، وعند كل مشكلة، نحن لبنانيون نحمل فكرا، يبني دولة ووطن وحضارة".
 
 
مديح مزمن للزعامات.. وخروج على أدبيات دار الفتوى
 
 
إعتاد الناس على مطوّلات المديح والإطراء والإطناب التي يطلقها المفتي الشعار في كل مناسبة من المناسبات وبين يدي "الحاكم" من القيادات والزعامات ، من أبناء المفتين وسلالات المقدّمين.. لكن أن يصل الأمر إلى حدّ التخوين للمخالفين ، فهذا ما لم يسبقه إليه أحد من المفتين في لبنان.
 
 
قواعد الرصانة في دار الفتوى
 
 
صحيح أن لسماحة مفتي الجمهورية الشيخ الدكتور عبد اللطيف دريان علاقة طيبة ومتينة بالرئيس سعد الحريري لا يخفيها بل يحافظ عليها من باب الحرص والنصح والمودة ، لكنه في الوقت نفسه يحتفظ بعلاقات طيبة مع جميع القيادات السنية (موالية للرئيس الحريري أو معارضة  له) ، وكذلك هو يحظى بإحترام جميع القيادات والمواقع الدينية والوطنية .
ورغم حدّة الإستقطاب السياسي ، لم يخاصم سماحتـُه رئيساً ولم يهاجم حزباً ، ولم يعلن إنحيازه لجهة ضد أخرى ، ولم يمارس أداءً سياسياً مباشراً يجعله خصيماً لجهة من المسلمين ، بل فتح أبواب دار الفتوى للجميع وأغلق كلّ أبواب الشِقاق والنزاع ، لا بل تمكّن من إدارة الخلاف حول الكثير من الملفات بطريقة ملؤها الذكاء والحكمة ، كما هو الحال في ملف عطلة يوم الجمعة وإستهداف المحاكم الشرعية ، حيث تمسّك المفتي دريان بثوابت دار الفتوى دون أي تنازل ، ومن دون أن يتحوّل الأمر نزاعاً مع الرئيس الحريري المسؤول المباشر عن الأزمة في هذين الملفين.
 
 
ولا شك أن هذه السياسة هي الأصعب والأكثر مشقة ، لكن للحكمة ثمناً وللرصانة ثقلاً لا يقوى على حمله من إختار الإنحياز والدخول في مهمات ذات طابع خلافي مثل الترويج للمرشحين في الإنتخابات الرئاسية أو النيابية ، طمعاً في تجديد منصب أو تمديد ولاية.
 
 
محاذير خطاب الشعار: الوقوف على حافة التكفير
 
 
حاول المفتي الشعار أن يقمع المشاعر الفطرية للناس التي تحتفظ بالمحبة للرئيس الشهيد رفيق الحريري ، وأن يشكّك بهؤلاء في حال أبدوا اعتراضاً على سلوك نجله في الحكومة ، وكأن سعداً معصوم لا يخطئ حتى يصبحَ الناسُ ملزمين بإتباعه أياً كان مسلكُه ومهما كانت أخطاؤه.
أصدر المفتي الشعار فتوى سياسية هي أشبه بـ"التكليف الشرعي" لدى "حزب الله" ، مع الفارق أن التكليف يجد الآلاف يلتزمون به ، في حين لم يجد موقفه سوى صدى الإستنكار والتعجب والأسف. 
 
بإختصار ما فعله المفتي الشعار في "خطاب الولاية" بين يدي السيد أحمد الحريري هو إهانة لمقام دار الفتوى ولطرابلس والشمال ، ولا يفعل فعلتـَه هذه إلا عضوٌ متحزّب في تيار المستقبل ، وأعتقد أن الكثير من المحازبين يتهيّبون الإنزلاق في هذا التدفـّق اللغوي المثير للإستغراب ، والمبالِغ في المديح دون مبرّر أو حاجة..
كان بإستطاعة المفتي الشعار أن يعلن دعمه للرئيس الحريري بعبارات لائقة بمقامه ومحافِظة على أدبيات دار الفتوى ، بدل الوقوف في موقف المادح في البلاط "السلطاني" الحريري!! 
 
 
البعد السياسي في خطاب الشعار
 
 
إن ما فعله المفتي الشعار يدل على أمرين:
 
ــ حاجته الماسة لخطب ودّ الحريري من أجل تمديد وجوده في إفتاء طرابلس والشمال وهو الذي يشارف على إستكمال إطباقه على مقاليدها العشر سنوات من دون إنجاز حقيقي في أي مجال من المجالات.
 
ــ إدراك الشعار للتدهور الشديد في شعبية تيار المستقبل ، في طرابلس بشكل خاص ، فقام باللجوء إلى ما يشبه بـ"رمي الحرم" على كل من لا يؤيد الرئيس الحريري ، وإستعمال هذا "السلاح الثقيل" من الجولة الأولى الإبتدائية للإنتخابات ، دليل على الحرج الشديد لـ"تيار المستقبل".
 
لا يحقّ للمفتي الشعار ولا لغيره من شاغلي المواقع الدينية أن يحوّلوها إلى منصّة خاصة لتحقيق أهداف خاصة أو حزبية ، ومحاولة تمرير الإلزام الديني والإنتخابي تحت شعار المصلحة الوطنية ، هي محاولة غير ناجحة لسببين:
 
 
ــ الأول: أنها غير منطقية ، والمجتمع السني أصبح واعياً ومحصّنا ضد أساليب الإستدراج المكشوفة.
 
ــ الثاني: أنه لم يعد للمفتي الشعار وزنٌ سياسي وشعبي يُعتـَدُّ به بعد أراق ماء وجه موقعه على أعتاب السياسة والسياسيين.
 
(يتبع)
 
 
أمين عام التحالف المدني الإسلامي