كانت الخطوة الرسمية الأولى لمبادرة تسمية طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية زيارةَ رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال توفيق دبوسي إلى رئيس الحكومة سعد الحريري وتسليمه نصها وإيداعه أمانةَ حملِها إلى مجلس الوزراء لتنال الموافقة ، كمؤشر إلى بدء مرحلة جديدة تعيد الإعتبار للفيحاء بعد طول هجرٍ وإهمال وجفاء.
في الرابع من تشرين الأول الجاري إستقبل الرئيس الحريري السيد دبوسي وأبدى ترحيبه بالمبادرة ، واعداً بوضعها على جدول أعمال مجلس الوزراء في وقت قريب ، وكان منتظراً أن تـُعرَض في جلسة الحكومة التي كان مقرّراً عقدُها في طرابلس تعبيراً عن دعم المدينة ورغبة في إقرار عدد من المشاريع الحيوية ، كما تروّج أوساط الرئيس الحريري.
طارت جلسة الحكومة في طرابلس وبات عقدُها في عاصمة الشمال يبتعد شيئاً فشيئاً ، في حين تواصل التفاعل الإيجابي لمبادرة تسميتها عاصمة لبنان الإقتصادية على المستويات المحلية والوطنية والأجنبية.
فالمجتمعُ المدني في طرابلس والشمال والمؤسساتُ الإقتصادية والإجتماعية تقاطرت على غرفة طرابلس معلنة تأييدها الكامل لمبادرة تسميتها عاصمة لبنان الإقتصادية . والفعالياتُ والقياداتُ الإقتصادية على المستوى الوطني تضامنت وأيّدت ، وسفراءُ دولٍ كبرى وإقليمية زاروا الغرفة وأعلنوا إستعدادهم لتنفيذ مشاريع إستراتيجية كبرى في الشمال وعاصمته ، وأبرزهم سفراء: روسيا والصين وسويسرا وتركيا والعراق وغيرها ، مع إبداء الإعجاب بالإصرار على النهوض وتجاوز مرحلة الفلتان الأمني المنصرِمة.
• دعم من كامل الطيف اللبناني
تقدّم الرئيس نجيب ميقاتي القياداتِ السياسيةَ التي أعلنت إيمانها بقدرة طرابلس على تحمّل مسؤولية هذا المشروع والتحوّل الفعلي إلى عاصمة لبنان الإقتصادية ، مبدياً من غرفتها كل الدعم والتأييد لما حمله الرئيس دبوسي من طرح متقدّم للنهوض بالمدينة.
وتتابع التأييدُ للمبادرة ، فامتدّ ليشمل أطياف اللون السياسي ، من الوزير فيصل كرامي إلى القوات اللبنانية ، ومن الوزير السابق أشرف ريفي إلى النائب السابق جهاد الصمد ، في حين برزت زيارة الوفد المشترك من التحالف المدني الإسلامي وتيار الواقع للغرفة لتشكّل دعماً شمالياً بيروتياً مشتركاً لتسمية طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية.
ورغم وضع المبادرة على جدول أعمال مجلس الوزراء ، إلا أنها لم تـُعرَض ولم تـُـقـرّ ، وإعتقد البعض أن السبب يعود إلى خضّة قرار المجلس الدستوري الطعن في قانون الضرائب وما تلا ذلك من تداعيات سياسية وإجتماعية.. لكن مؤشرات وتسريبات آتية من الأوساط المقربة من الحريري تقول إنه لن يمضيَ في تبنـّي مبادرة طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية  ولن يطرح التسمية ربما لأنها لم تصدر منه ، وليست في إطار نطاقه السياسي ، وإنما هي مبادرة مستقلة تأخذ مسافة متساوية من الجميع ، رغم إعطاءِ الأولويةِ للحريري نظراً لموقعه الحكومي والسياسي على حدٍ سواء.
لم يبدِ “المستقبليون” في طرابلس حماسة جدّية لتسمية مدينهم عاصمة لبنان الإقتصادية ، وكانت زيارةُ النائب سمير الجسر للغرفة وموقفه في سياق مناسبةٍ تمّ تنظيمُها في الغرفة ، وليس في إطار زيارة خاصة ، وكانت زيارةٌ يتيمة قام بها منسق تيار المستقبل ناصر عدرة للرئيس دبوسي بهدف دعم المبادرة.
ورغم كل الإلتفاف النيابي والسياسي والإجتماعي حولها ، إلا أن عموم نواب المستقبل في طرابلس والشمال تجاهلوا دعم مبادرة طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية ، وقام أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري بأكثر من زيارة للمدينة دون الإلتفات إلى المبادرة ، وهذا الأمر كان لافتاً ومثيراً للإنتباه والإشتباه في الوقت نفسه.
وحسب ما تسرّب من معطيات ، فإن الرئيس الحريري ، وبضغطٍ من محيطه “الإستشاري” ، سيجهض المبادرة بشكل متدرّج ، يتمثـّل في المماطلة بعرضها على مجلس الوزراء ، ثم سيقوم بالإلتفاف على التسمية بإطلاق غبارٍ كثيف تحت شعار طرح مشاريع لطرابلس والشمال ، وإستدراج سجالاتٍ حولها وصولاً إلى القول إن التسمية ليست مهمة وأن المهم هو الأفعال..
هذا السيناريو مهّدت له رئيسة مجلس إدارة المنطقة الإقتصادية الخاصة الوزيرة السابقة ريّا الحسن ، التي إعتبرت في حديث على هواء إذاعة “طريق الإرتقاء” أن تسمية طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية هي “حجر كبير” ولن يصيب ، وأن المدينة غير مؤهلة وتحتاج إلى الكثير لتكون في مستوى الإستجابة لمتطلبات التسمية.
تكثر السيدة الحسن من إستخدام مصطلحات مثل عدم وجود كفاءات في طرابلس ، وتصرّح بوجود الأموال التي يمكن إستخدامها في التأهيل والتدريب . فلماذا لا نخرج من دائرة التوصيف والتقليل من شأن المدينة وأهلها إلى التنفيذ طالما الأموال موجودة؟!
وبدل التنظير للإحباط ، نرجو من السيدة ريا الحسن أن تولي الإهتمام للمنطقة الإقتصادية الخاصة التي بدو أنها تواجه تحدياً حقيقياً يهدّد إستمراريتها ، في ظل إنتهاء المرحلة الأولى من الردميات ، وعدم وجود مخصصات لإتمام المرحلة الأولى من الردم ، مما يجعل ما تمّ إنجازُه حتى الساعة معرضاً للتآكل بأمواج البحر ، في حال لم تتمّ المسارعة إلى إستكمال أعمال الردم والتحصين.
وفي سياق التمهيد للتملّص ، بدأ المحيطون بالحريري يتحدّثون عن الحاجة إلى إنجاز دراسات تسبق التسمية لمعرفة مدى توفـّر العناصر المطلوبة لمبادرة “طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية” ، ونحن نذكر هؤلاء بأن الدراسات أساساً متوافرة من خلال المؤتمرات المتخصّصة التي شهدتها طرابلس لإعادة إستنهاض التنمية في المدينة ، والتي بقيت حتى الآن حبراً على ورق ، والدراساتُ عادة ما تُعتبر مصدراً للفساد كما حصل في دراسة المرآب الشهيرة ، والتي تجاوزت كلفتها 300 ألف دولار.
وما يثير الريبة  تلك الهجمات التي تصدر من بعض نواب المستقبل ، ومنها “أحقاد” النائب محمد قباني على مرفأ طرابلس ، وإتهاماته له بأنه موئلٌ للتهريب.. ثم التشويش المتعمّد من الجمارك ، فضرب المرفأ هدف دائم لمافيات الإحتكار والتهريب على حدٍ سواء.
• خياران أمام الحريري
ما يتسرّب من محيط الرئيس الحريري بشأن تسمية طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية أمر خطر ، ونرجو أن نكون مخطئين في مخاوفنا ، فنحن نتمنى أن يحتضن الرئيس الحريري المبادرة وأن يتبناها ويمضي بها حتى نهايتها ، ولا مانع لدينا من أن يفيد منها سياسياً ، إذا قدّم للمدينة ما تستحقّ من إهتمام ، لكن أن ينقلب عليها ويحرمها حقها المعنويّ على الأقل ، فهذا إعلان حرب على طرابلس.
الرئيس الحريري الآن أمام أحد خيارين:
ــ إما أن يطرح تسمية طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية على أول جلسة للحكومة ، سواء عـُقـدت في طرابلس أو في القصر الجمهوري أو في السراي الحكومي ، وأن يعمل على إقناع جميع حلفائه في التسوية الرئاسية والحكومية ، على التصويت لصالح المبادرة ، لأنه لا يوجد أي مبرّرٍ للتأخير.
ــ وإما أن يستمرّ في المماطلة ، تارٍكاً لبعض زبانيته القيام بتقويضها وإسقاطها ، مراهنين على موتها مع الوقت ، أو لتحويلها إلى مصدر إمتصاص مالي عبر الدراسات وما يتفرّع عنها من مزاريب فساد قبل إسقاطها.
كلّ تأخيرٍ في طرح المبادرة على مجلس الوزراء يترك أثراً سلبياً متراكماً ، ويجعل الخشية تقترب من أن تكون حقيقة. والمرجوّ أن يوقف الرئيس الحريري هذه الهواجس ويحسم أمره ويعلن بدء معركة إعادة الإعتبار لطرابلس ، والذي يبدأ حكماً من تسميتها عاصمة لبنان الإقتصادية.
لطرابلس دينٌ مستحقٌ في عنق الرئيس سعد الحريري ، وأداؤه واجب ، والطرابلسيون ينتظرون الخطوة التالية ، وعلى أساسها سيحاسبون ، اليوم بشكل مباشر ، وغداً في صناديق الإقتراع.