محاولات لتجنيب لبنان آثار هذا الإنكماش بالرغم من تهورات جبران باسيل
 

غالبًا ما يبدو لبنان الصورة البائسة والمساحة الرمادية في المشهد الإقليمي لتشطر مكوناته السياسية والحزبية في إتجاهات متناقضة وتتغذى بحليب مصنع ومستورد من معامل الإنتاج في دول الخارج التي تفجرها صراعات وحروب دولية وإقليمية مبنية على مصالح خاصة ومشاريع أحادية تحاول فرضها على شعوب المنطقة إنطلاقًا من العبث بأمنها والتدخل في شؤون دولها الداخلية. 
وفي لبنان دائما هناك من ينبري ليعزف على أوتار الأحداث المحيطة به فيتردد صدى الإشتباك السياسي وأصوات الميادين العسكرية في المنطقة العربية على الساحة الداخلية اللبنانية. 
ففي ظل التهديدات المتبادلة التي تتصاعد يوميًا بين إسرائيل وحزب الله كتعبير عن العلاقة المتوترة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران بعد الإستراتيجية الجديدة التي يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد طهران يبدو لبنان وكأنه كمن يقف على رمال متحركة ويسعى باحثًا عن أرض صلبة للوقوف عليها باطمئنان ومنطلقا من إصرار معظم الأطراف السياسية فيه للحفاظ على التوافق الذي أفضى إلى إنتخاب رئيس للجمهورية وتسمية رئيس الحكومة وتشكيلها بغية حماية الساحة الداخلية وتحصينها وسد المنافذ التي قد تخترقها الرياح الإقليمية الساخنة حيث تمارس الضغوط على أفرقاء الداخل لإعادة تقسيم البلد إلى محورين سعودي وإيراني وإستعادة مشهد الإصطفافات الذي لا يزال عالقًا في الذاكرة بين 8 و 14 آذار. 

إقرأ أيضًا: لبنان والواقع الإقليمي

وفي هذا الجو الملبد بالغيوم السوداء الذي ينذر بالكثير من المخاطر كشف رئيس الحكومة سعد الحريري عن سعيه لإجراء المزيد من الإتصالات والمشاورات بغية وضع لبنان في خانة النأي بالنفس عن الكباش الأميركي - الإيراني وشدد على أهمية الأمن والإستقرار في البلد مطمئنًا على أن الوضع الحكومي لن ينفجر باعتبار أن لبنان لا يقدم ولا يؤخر في هذا الكباش، وهذا ما بدا واضحًا من خلال كلامه الأخير أثناء زيارته إلى روما. 
في السياق نفسه، رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي استشعر باكرًا مخاطر الرياح الإقليمية التي قد تهب على الداخل اللبناني سعى للقاء الرئيس سعد الحريري في كليمنصو في دارة رئيس الحزب التقدمي النائب وليد جنبلاط الذي يستشعر هو الآخر الأخطار عن بعد وتم بذلك اللقاء الثلاثي في مسعى لرأب التصدعات الداخلية والإلتقاء على قواسم مشتركة بين الأفرقاء اللبنانيين دون أن يشكل ذلك إحراجا للرئيس الحريري بابتعاده عن الإندفاعة السعودية الجديدة تجاه لبنان. 

إقرأ أيضًا: إيران تروج لإنتصارات كاذبة في المنطقة

أما حزب الله وهو الفريق الأقوى والمتحكم بالكثير من تفاصيل اللعبة الداخلية فإنه يدرك أكثر من غيره مخاطر الإنزلاق في مواجهة مع إسرائيل على قاعدة "لو كنت أعلم" كما حصل في حرب تموز 2006 وتعريض البلد لحرب مدمرة قد يعرف أولها ولا يعرف آخرها وتحويل مرافقه وكافة البنى فيه إلى أهداف سهلة للطيران الحربي الإسرائيلي.
لذا فإن التصعيد في الخطاب السياسي والنبرة العالية التي لا يزال قادة الحزب يتحدثون هي لا تتجاوز حدود التهويل ولعب دور الرادع لإسرائيل عن الإعتداء على لبنان. 
لكنه وبالرغم من هذا المناخ الداخلي التفاؤلي المستند إلى تفهم وتفاهم معظم الأفرقاء لمخاطر تعريض البلد لهزات أمنية هناك مصدر قلق لدى مراجع سياسية بارزة ناجم عن عجز هذه المساعي في لحم التهور الذي ينساق إليه بعض الوزراء من أوساط رئيس الجمهورية وخاصة الوزير جبران باسيل الذي يقاتل بسيف عمه الرئيس ميشال عون ويمارس دور ملكية حزب الله أكثر من الملك نفسه وهو الأمر الذي أفضى إلى مبارزة كلامية بينه وبين الوزير نهاد المشنوق. 
ويتطلب هذا موقفا حاسمًا من حزب الله ورادعا لإندفاعات حلفائه المتهورة والمتغطرسة تجنبا لوقوع البلد في كباش يتعذر ضبطه والسيطرة عليه لا سيما وأن حزب الله يعتبر رأس حربة في الصراع الأميركي الإيراني.
 فاستهداف الإدارة الأميركية لا يقف عند حدود طهران بل يتجاوزه ليصل إلى ذراعها الأقوى في المنطقة وهو حزب الله، وبالتالي المخاطر التي تحيط بلبنان وتتهدده لا تحتمل أية مهاترات داخلية ومزايدات على حساب مصلحة الوطن .