أثار الهجوم المفاجئ الذي شنّه النائب جورج عدوان في المجلس النيابي على مصرف لبنان تساؤلات حول الاهداف. ورغم كل التفسيرات التقنية التي جرى تقديمها، الا ان القراءة السياسية لتفسير ما جرى تبقى هي الاساس في فهم القطبة المخفية
 

نجح النائب جورج عدوان، من خلال ما أثاره في جلسة مناقشة الموازنة العامة، بالنسبة الى مصرف لبنان، في القضاء على الروتين الذي ساد جلسات المناقشة. لكن سادت مخاوف من ان يتم أيضاً القضاء على ما تبقى من ثقة في نظامنا المالي، من خلال اختيار منبر المجلس النيابي المفتوح على البث المباشر الى الداخل والخارج، للتشكيك في سلوكيات مؤسسة ينظر اليها اللبنانيون على اساس انها احدى الركيزتين الاساسيتين في الاستقرار.

وحتى في زمن الفراغ الرئاسي، كان الرهان دائما على مؤسستين تضمنان الاستقرار. المؤسسة العسكرية لضمان الامن، ومصرف لبنان لضمان سلامة النقد والوضع المالي والاقتصادي استطراداً.

قبل التطرّق الى الخلفيات في مضمون ما جرى، لا بد من ملاحظات من حيث الشكل:

اولا- ان الهجوم يمثّل وجهة نظر حزب القوات اللبنانية، ولا علاقة له برأي عدوان الشخصي. وفي المعلومات ان الحزب سيتابع الهجوم في الايام المقبلة من خلال عدوان، الذي سيتابع الموضوع ويضغط اكثر في هذا الاتجاه.

ثانيا - ان تعمّد اثارة هذا الملف بصرف النظر عن خلفياته بهذا الشكل العلني انما يؤكد ان احد الاهداف إحداث صدمة، وممارسة ضغط نفسي على البنك المركزي قبل متابعة الملف لاحقاً.

ثالثا- بصرف النظر عن كل ما سيُقال في هذا الملف، هناك ضرر وقع بمجرد طرح الموضوع بهذه الطريقة، وهو ضرر معنوي ونفسي، لم يكن الوقت مناسباً لتحمله.

أما من حيث المضمون، فان مصادر حزب القوات اللبنانية تعتبر ان التعاطي مع هذا الملف هو على اساس انه واحد من الملفات التي يتابعها الحزب ويعترض على الغموض الذي يكتنفها. وتماماً كما يتصدّى الحزب لملف بواخر الكهرباء، في محاولة منه لتصحيح مسار هذا الملف، كذلك يفعل الحزب من اجل تصحيح المسار في ملف مصرف لبنان.

وتقول المصادر، ان الحزب كان من الاطراف السياسية التي دعمت التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وبالتالي، لا يمكن اتهامها بالابتزاز او محاولة الاستعراض عندما تثير هذا الملف.

خصوصا اننا على ابواب اقرار موازنة، واعادة الانتظام الى الوضع المالي، وبالتالي صار الوقت مناسبا لفتح هذا الملف، وتوضيح ما يشوبه من غموض، بعدما كثر الكلام حول قضايا عدة، منها الهندسات المالية والجدل الذي لا يزال حتى اليوم يدور حولها.

تبسيط متعمّد

هذا الموقف تقابله تساؤلات تشكّك في أن يكون الهدف من الهجوم المفاجئ بهذه البراءة التي يجري تصويرها، خصوصا انه كان يمكن اثارة الموضوع بصمت في المرحلة الاولى، اذا كانت هناك ملاحظات حوله، وتجنيب البلد الاضرار التي لحقت بسمعته، لأن الوضع المالي لا يحتاج الى تنكيل اضافي بثقة الناس في الداخل والخارج.

كذلك فان القول ان مصرف لبنان يخالف قانون النقد والتسليف يحتاج الى تدقيق، ما دام وزير المالية اعلن ان المصرف يقدم حساباته سنويا الى الوزارة. اما بالنسبة الى احتساب ارباح المصرف من محفظة سندات الخزينة، والتعاطي مع هذا الموضوع وكأنه اختياري، فهو موضوع شائك ولا يمكن مقاربته بهذا التبسيط.

وينبغي أن يكون معروفاً ان محفظة مصرف لبنان مُتخمة بالسندات، وبنسبة تفوق المعدل المريح وفق المقاييس العالمية، بسبب اضطراره الى الاكتتاب في كل مرة يكون يبرز فيها قصور في الاكتتاب من قبل القطاع الخاص والمؤسسات الدولية.

وهو في هذا المجال يقوم بدور انقاذي، ولا يهدف الى مراكمة ارباح جراء الفوائد على السندات. اما توزيع الارباح، وفق قانون النقد والتسليف، فيحتاج الى تدقيق اضافي لمعرفة ما هي واجبات وحقوق المصرف حيال الخزينة، وهو يقوم بدور الداعم دائما للتوازن في المالية العامة، حفاظا على قدراته في حماية النقد وضمان استقراره.

يبقى السؤال حول القطبة المخفية، او السبب الحقيقي وراء الهجوم العلني. والجواب الاقرب الى المنطق، انه هجوم سياسي، يشنه حزب القوات اللبنانية على حاكم مصرف لبنان لوقف ما يعتبره تعاونا غير مشروط وغير محدّد بسقف بين الحاكمية وتيار سياسي بارز. وهو شبيه بالهجوم الذي شنته القوات من اجل فرملة اندفاعة العهد نحو التطبيع مع النظام السوري.