على رغم الإهتمام الذي تُوليه الأجهزة الأمنية بملاحقة الشبكات الإرهابية، لم تَغب بقيةُ العمليات عن أجندة الأجهزة، إذ نفَّذ مكتبُ مكافحة جرائم السرقات الدولية مهمّةً أدّت الى ضبط لوحة فنّية تُقدَّر قيمتُها بملايين الدولارات ومسروقة منذ نحو 20 عاماً
 

تُعتبر مكافحة الآثار المسروقة، واللوحات الفنّية غاليةَ الثمن من المهمات التي تشغل الأجهزة الإستخباريّة العالمية، ويُقدّر حجمُ التجارة السنويّة بها بمئات ملايين الدولارات، ويتمّ تهريبُها بين حدود الدول أو عبر البحر.

لا شكّ في أنّ ضبط لوحة نادرة للرسام الإسباني الشهير سلفادور دالي في بلاد الغرب يحتلّ العناوين الأولى في نشرات الأخبار ويصبح حديثَ الناس، أمّا في لبنان، فإنّ انشغالاتِ الشعب في مكانٍ آخر، وبات هذا البلدُ الذي كان يصدِّر الفكر والإبداع والفنّ والجمال، غيرَ آبهٍ بكل هذه الأمور.

القصّة بدأت عام 1954، عندما رسم الفنان سلفادور دالي لوحتَه الشهيرة التي أخذتها mrs reeves، وباتت معروفةً من ذلك الحين باسم lady reeves لأنها تحمل صورتها. لكنها لم تدفع له ثمنها، ونتيجة تصرّفها هذا قيل إنها سرقتها، وحلّت اللعنة.

من ثمّ تمّ تناقلُها، وبيعت في أكثر من معرض بملايين الدولارات وكان آخرُها في غاليري sobs في لندن عام 1997، وسُرقت بعدها وتناقلها السارقون، الى أن استعادَها مكتبُ مكافحة السرقات الدولية في قوى الأمن الداخلي، وأوقف التجار الذين حاولوا بيعَها في 13 تشرين الجاري في بيروت، فهل إنتهت لعنة reeves التي سرقت اللوحة، فسُرِقت؟

بحسب معلومات «الجمهوريّة»، فإنّ تاجرَ لوحات لبنانياً يُدعى (مصطفى. ح) عرض صورَ لوحة للبيع على تاجرة لوحات فرنسيّة من أصل لبناني مُقيمة في فرنسا، وعندما عرضتها الأخيرة على خبير، تبيّن أنها للفنان العالمي سلفادور دالي، وهي معمَّمة على الأجهزة العالمية أنها مسروقة، فأعطت علماً للجمارك اللبناني بالأمر، فأخبروا مكتبَ مكافحة الجرائم الدولية، وبوشرت التحقيقاتُ بناءً لإشارة النيابة العامة المالية.

وفي التفاصيل، إتّصل مكتبُ مكافحة السرقات الدولية بالتاجرة الموجودة في فرنسا ووافقت على التعاون. وبعد اتّصالاتٍ عدّة، تمكّنت التاجرة من ربط أحد عناصر المكتب المتخفّي والذي إنتحل صفة تاجر لوحات لبناني مقيم في فرنسا ويرغب بالحضور الى لبنان لمعاينة اللوحة وشرائها، بالعصابة التي تنوي بيعها.

وبعد سلسلة إتصالاتٍ من العنصر المتخفّي والذي إستعمل رقماً فرنسياً، وافق التاجر على اللقاء، وكان الموعدُ الأوّل عند جسر الكولا حيث ترك أفرادُ العصابة العنصرَ المتخفّي ينتظر ساعاتٍ بعد مراقبته للتأكّد من أنه غيرُ مرافق، في وقتٍ كان عناصرُ المكتب ينتشرون في الكولا متخفّين.
وبعد ساعاتِ الإنتظار، تمّ نقلُ التاجر المتخفّي للقاء تاجر مواشي سوري من ثمّ نُقل الى منزل أحد تجار المواد الغذائية السوريين الكبار.

وبعدما تأكّد العنصر من وجود اللوحة في المنزل الأخير الذي نُقل إليه في عرمون، أعطى كلمة السرّ لعناصر مكتب مكافحة السرقات الدولية الذين كانوا يراقبونه من بعيد، وهي أنّ «اللوحة موجودة، أحضِروا الخمسة ملايين»، عندها دهم العناصرُ المكان وضبطوا اللوحة وأوقفوا التاجرَ السوري وأفرادَ العصابة.

وإعترف التاجرُ السوري في التحقيقات، أنه اشترى اللوحة منذ 12 سنة لقاء مبلغ كبير من المال، ويعلم أنها مسروقة واحتفظ بها وحاول الآن بيعهَا لكسْب المال، حيث كان يطلب 5 ملايين دولار، في حين أنّ عرضَها في المزاد قد يوصل سعرَها الى أكثر من 20 مليون دولار.
ويحاكَم جميعُ أفراد العصابة أمام القضاء، لكن لم يُعرف بعد مَن مالكُها الحقيقي، وهذا الأمر سيُكشف في الأيام المقبلة.

تُعطي هذه العملية دليلاً على أنّ عمليات التهريب الثمينة متواصلة في لبنان، كذلك فإنّ الأجهزة غيرُ غائبة، فمكتب مكافحة جرائم السرقات الدولية مستمرّ بعمله في توقيف عصابات سرقات السيارات، وفي المقابل فإنّ الطريقة التي نفّذها العنصرُ المتخفّي في القبض على العصابة وإسترجاع اللوحة تعطي دليلاً على مدى حرفيّته وعدم خوفه من الخطر الذي سيواجهه أثناء تنفيذ العملية.