لا شك أن عملية التغيير الاجتماعي تشوبها العديد من المصاعب وتقف أمامها اكثير من التحديات
 

ثمة جدل طويل لدى علماء الاجتماع والسياسة حول الاجابة عن سؤال من يحدث التغيير ويقوده في أي مجتمع، وخاصة أن التحولات الاجتماعية المتسارعة لها العديد من التأثيرات المتتابعة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وسياسيا ، وأن اتجاهات التغيير قد تختلف في أنماطها ومداها باختلاف القيادة التي تحرك هذا التغيير وتدفع به.


بعيدا عن العوامل والمؤثرات الخارجية التي قد تلعب دورا محفزا وداعما أو مثبطا لعملية التغيير باختلاف الظروف والمصالح، فإن هناك ثلاثة أطراف داخلية محددة تلعب منفردة أو مجتمعة في إحداث وقيادة التغيير. والتغيير الذي نقصده هنا هو التحول من حالة إلى آخرى وهو يطرأ على البناء الاجتماعي في الوظائف والقيم والأدوار الإجتماعية خلال فترة زمنية، وهو ظاهرة عامة مستمرة تحدث من خلالها اختلافات وتعديلات متنوعة وبدرجات مختلفة.


العامل الأول هو المجتمع ذاته الذي تنتج بعض مكوناته الناشئة والمتجددة افرازات ومطالب مستحدثة تتحول إلى تحديات حقيقية قائمة أمام عموم المجتمع وقياداته، وتتجاوز المنظومات الثقافية التقليدية السائدة التي تفقد مشروعيتها تدريجيا أمام موجات المطالب المتجددة والقوية. ففئات اجتماعية كالشباب والمرأة تنمو تطلعاتها واهتمامها وبحثها عن موقعية ملائمة في المشاركة، تظل تضغط بصور مختلفة وأشكال متعددة كي تخلق لها مجالا أوسع لمشاركتها. هذه المطالب للفئات الاجتماعية تأخذ في التوسع الاجتماعي تدريجيا وتشكل قناعات جديدة في المجتمع تؤثر في صناعة القرار السياسي، فتتشكل الاستجابة للتغيير بناء على الضغط الناتج من أسفل الهرم.


العامل الثاني هو النخب الثقافية من صناع رأي وكتاب ومثقفين بالمعنى الشامل للثقافة ومن إصلاحيين متنورين دينيا وفكريا، يلعب هؤلاء دورا مهما في نقد الواقع الاجتماعي القائم ومبتيناته الفكرية وأسسه الثقافية، ويشمل ذلك إعادة قراءة التاريخ ونقد الموروث. يواجه هذا الجهد أيضا بخصوم متمكنين لديهم من الحصانة الاجتماعية والهيمنة والسلطة الشيئ الكثير، ويخلق ذلك صراعا تنويريا يساهم في فتح آفاق التغيير والدعوة للتطور والإصلاح. ويلحظ أنه ما كان يقال من أفكار خفية وبطريقة حذرة وقلقة، فإنها ومع مرور الزمن تتحول إلى أفكار عامة ومتداولة لدى قطاعات واسعة في المجتمع.


كلا العاملين السابقين ليسا حاسمين في موضوع التغيير وخاصة في الدول التي تعتمد على أنظمة حكم شاملة، حيث لا يمكن تأطير فاعلية فئات المجتمع ولا جهود النخب الثقافية، من هنا فإن عامل الإرادة السياسية الصادرة من القيادة هو ما يجعل جهود التغيير الاجتماعي واقعا ملموسا وقائما. عندما تتبنى القيادة السياسية مطالب المجتمع وتطلعات النخب الثقافية فيه فإنها تكون بذلك قد توجت جهود التغيير بتحقيقه على أرض الواقع، وتفاعلت مع هذه المطالب والتطلعات، كما أنها تشكل بطبيعة الحال حالة من الحماية والمساندة لعملية التغيير من أي تراجع أو تردد.


لا شك أن عملية التغيير الاجتماعي تشوبها العديد من المصاعب وتقف أمامها اكثير من التحديات، وأن قيادة التغيير الاجتماعي هي بحد ذاتها مسئولية كبرى، فبها يمكن نقل المجتمع من حالة الركود والتآكل إلى حالة من الفاعلية والتجديد والإبداع والتنافس.