البكاء لا يجعلك حسينيا إذا لم يجعلك نصيرا للمظلوم، وترفض الظلم حتى ولو كان صادرا منك
 

   تفاعلت الأمة مع ذكرى استشهاد الإمام الحسين على أرض كربلاء سنة إحدى وستين للهجرة، وأوصى أئمة أهل البيت عليهم السلام بضرورة إحياءها واستذكارها، لا سيما في العشر الأوائل من شهر محرم، ولايزال شيعة أهل البيت منذ زمن استشهاد الإمام الحسين إلى عصرنا الحاضر يحيون ذكرى عاشوراء، ويستلهمون منها الدروس والعبر، وفِي مقدمتها تقديم التضحيات في سبيل حفظ الدين والعقيدة والدفاع عن الحق والعدل ونصرة المظلومين، إلى أن تقوم دولة العدالة الإلهية على الإرض التي وعدنا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على يدي الإمام الثاني عشر مهدي آل محمد عجل الله تعالى فرجه الشريف.

  وشكلت عاشوراء مدرسة للمسلمين والمؤمنين، ولكن هذه المدرسة تحتاج إلى دراسة واعية حتى يمكن الإستفادة منها بالشكل الصحيح، فهي تشتمل على جانب المأساة الذي يحرك العواطف والأشجان، وتشتمل على جانب ثان، وهو جانب العقل والأهداف، والإرتباط بعاشوراء يكمن من خلال إحياء هذين الجانبين بالشكل المتوازن والمتكامل،  وقد تم طرح أسئلة عديدة حول عاشوراء تشكل مدخلا لفهم حركة الإمام الحسين وثورته، وخاصة أنها لم تحصل بشكل عفوي، بل اشتملت هذه الثورة على التخطيط والدراسة من قبل الإمام، ومعرفة ذلك أساس للفهم السليم لعاشوراء، لذا اشتملت عاشوراء على الجانب العقلي، وهو الجانب الهام والذي يشتمل على جانب الأهداف، كما اشتملت عاشوراء على جانب المأساة والفجيعة والتي هي جانب الفجيعة  والمظلومية والتضحية وجانب الوسائل، وعلينا أن ننظر إلى الوسائل التي اعتمدها الإمام الحسين، أنها وسائل لخدمة الوصول إلى الأهداف، كما علينا أن ننظر إلى الأهداف التي ينبغي التركيز عليها أنها الغاية من استشهاد الإمام الحسين عليه السلام.

   وفِي بعض الأوقات يتم التركيز على الوسائل والابتعاد عن الأهداف من قبل المنابر الحسينية، وهذا له نتائجه السلبية على الإرتباط بعاشوراء، فعاشوراء كانت من أجل إصلاح المجتمع ودفعه للإستقامة وإلى التزام طاعة الله، فالإقتصار على الحزن والبكاء ولبس السواد والسير في المسيرات للتعبير والإستنكار على مظلومية الإمام الحسين لا يجعل الإنسان حسينيا، فهذه وسائل تربوية لتذكير الناس بضرورة الثورة في كل عصر على الظلم وعلى الذين يستغلون الدين من أجل مصالحهم الشخصية ومطامعهم الدنيوية، فالبكاء لا يجعلك حسينيا إذا لم يجعلك نصيرا للمظلوم، وترفض الظلم حتى ولو كان صادرا منك، فتندفع للتغيير في نفسك وحياتك ومجتمعك لرفض كل مظاهر الإنحراف عن طاعة الله.

  ونعود إلى القول بأن الإمام الحسين خطط لعاشوراء ، وبرز هذا التخطيط في عدة محطات من حركة الإمام الحسين، وأبرز هذه المحطات، محطة خروج الإمام الحسين بأهل بيته من المدينة إلى كربلاء، ونتحدث عن هذا الجانب الهام، والذي كان له دور كبير في جعل عاشوراء حية إلى عصرنا الحاضر، حيث لا تجد لها مثيلا أو شبيها، في أي ثورة من الثورات التي حصلت على امتداد التاريخ.

الشيخ حسين إسماعيل