ليس ثمة من حلّ سحري لمشكلات الناس ، انّما هو نهج حلّ ومسيرة حلّ
 

في لبنان ، شعبٌ يتغنّى بحضارته وتاريخه ، بعاداته وتقاليده ، ولا شكّ بأنه يحقّ له بذلك ، هو الذي أطلق شرارة الحرف إلى العالم ، و انصهرت على أرضه الثقافات . ولكن ثمّة مشكلات يحكي عنها كلّ لبناني ، نسمعها في الشارع ، في المقاهي ، ونقرأها في وجوه مقدّمي الأخبار .
السّير في لبنان ، الكهرباء في لبنان ، المياه والصرف الصحي في لبنان ، وغيرها ، دأبنا على الشكوى منها ، دأبنا على مقولة : " ما في دولة " ، هذه " الدولة " التي تبقى المتهم الأول في صفقة من هنا ، أو تقصير من هناك ، و الملجأ الأول حينما نستشعر خطرا  أيا كان .
"ما في دولة" تعاني أفول نجمها اليوم ومنذ فترة أمام الموضة الجديدة من المعارضة : "كلّن يعني كلّن" ، حتى أصبحت الشريحة الكبرى من الشعب اللبناني أمام خيارين ، برأيي ، كلاهما مرّ ومضلّل للشعب : فإما أن تكون مستسلماً لواقع موجود ،  او غير آبه بكل ما يجري ، وهذا خطير ، وإما أن تذهب في معارضتك السلطة الى اتهام كل اركانها دونما تمييز بالفساد و سرقة المال العام ، وعدم طرح بدائل قد تنقذ الكيان ، فالدولة "اهترأت" وتحتاج غرفة انعاش ، والكيان "يترنّح" .

إقرأ أيضا : الحراك الشعبي: الدستور يعطينا حرية التظاهر و نزولنا على الشارع حقيقة وقراراتهم هي الباطلة
إنّ ما يعادل 32 في المئة من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر ، الشباب يهاجر بالآلاف ، الدين العام يزيد ، كلّ ذلك نعم يدلّ على حجم المشكلة ، ولكنّ الحلّ لا يكون بالتشاؤم و أخذ كل شيء بأحكام سلبية مسبقة ، و بال " كلّن يعني كلّن " التي لا تتعدّى كونها شعاراً انتهى قبل أن يعطي مفاعيله . 
في لبنان ، شعبٌ حضاري نعم ، شعب يعرف خياراته نعم ، ولكن المشكلة تكمن في أنه أسير الماضي وصراعاته و ترسّباته ، أسير اصطفافات الحرب و مخلّفاتها ، أسير "ما كان وما حصل" ، دونما استشراف "ما سيكون و سوف يحصل " .
ليس ثمة من حلّ سحري لمشكلات الناس ، انّما هو نهج حلّ ومسيرة حلّ . على اللبناني أن يتابع السياسة والملفّات ، أن يفتّش عن حقيقة الأشياء بنفسه ، وأن لا يعطي اهتمامه للتصريحات . نحن في بلد ديمقراطي برلماني ، الشعب فيه مصدر السلطات ، وكيف له أن يكون كذلك إذا تلهى ولم يحاسب ، إذا قرر أحدهم/إحداهنّ بأن ال" shopping " او تصفّح ال "social media " طوال النهار هو أهم من متابعة شؤون "الدولة" التي يبكون على اضمحلالها .
وليس صحيحاً بأن المواطن لا يستطيع الحصول على المعلومات : هي " إبرة المورفين " في جسد اللبناني ، ليبقى بعيدا عن خبايا القضايا و يكتفي بما يرى او يسمع في الإعلام . وهنا لا بدّ من دعوة الإعلام الى الاضطلاع بمسؤولياته كاملة في نقل " الحقيقة " ولا شيء غيرها ، وتحت اي ظرف غير آبهٍ بالضغوط التي تمارس من كل حدب وصوب ، وما أكثر "الجبّارين الضاغطين" في لبنان .

إقرأ أيضا : هذه هي الضرائب التي أقرها مجلس النواب
ختاماً ، في أيار 2018 ، سيجري استفتاء على خيار الشعب ، على قرار الشعب ، فلتكن مقاربة الشعب على قدر عال من المسؤولية والموضوعية . فلنترك "الشعارات الفضفاضة" و"السلبية المفرطة" ، وليكن عندنا الوعي الكافي لنكون حزبيين لا تابعين ، بل مناصرين لخطّ سياسي او رؤية نقتنع بها ، او معارضين للأحزاب نتبنى شخصيات المجتمع المدني . فالأحزاب في لبنان حاجة وطنية ، وهنالك رجال سياسة وقادة فعليين ، في حين ثمة سياسيون ليسوا "رجال سياسة" . فلتكن مقاربة انتخابات ايار : انا الحزبيّ لا أخجل ، أؤمن بهذا النهج والرؤية ، أو أنا المعارض لا للمعارضة فقط ، وللسباب والشتائم ، و للحالات النرجسية الفاقعة التي تنبت كل يوم ، بل لأنني ببساطة لا أرى قناعاتي تلتقي مع طروحات أي من الأحزاب .
في كلتا الحالتين ، سينتصر خيار الشعب ، وكل ما عدا ذلك ، هباء هباء .