وجود رُبانٍ حاذق وماهر ضرورة ملحة، ولو على هيئة ترويكا مُختلّة الأضلاع
 

أولاً: ترويكا نهاية القرن الماضي

قامت ثلاثية عُرفت بالترويكا أوائل تسعينيات القرن الماضي، فور انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، وبداية تطبيق اتفاق الطائف، وتألّفت من الرؤساء الثلاثة الممثلين للطوائف الرئيسية: رئيس الجمهورية الراحل الياس الهراوي ممثلاً الموارنة، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ممثلاً للشيعة، والرئيس الراحل رفيق الحريري ممثلا الجانب السُّني ، وكان الحريري نجم هذه الثلاثية بلا منازع، فقد حاز على الرضا السوري والدعم السعودي معاً، واضطلعت هذه الثلاثية بحلّ كافة المشاكل التي خلّفتها تراكمات الحرب الأهلية، وساد بين أركانها مبدأ المحاصصة، لكلّ رئيس (مع طائفته) الحُصّة المتوافق عليها في المناصب الحكومية والمراكز الأمنية والوظائف وتوزيع المغانم وإنفاق الموازنات، وشهد لبنان في ظلّ الترويكا استقراراً سياسياً وأمنياً واقتصادياً ومالياً، حتى إذا دبّت خلافات طارئة تباعد بين أضلاع الثلاثية، يُسارع ضابط الإيقاع (رئيس جهاز الأمن والاستطلاع في القوات السورية)، أي الحاكم الفعلي، إلى ظبط الخلافات، فينصح حيث ينفع النُّصح، ويتوعد ويتهدّد حيث لزم الأمر، فيعود الرؤساء إلى جادّة الصواب وتلتئم الثلاثية من جديد، وتسير عجلة البلاد بقدرة قادر، (والقادر هنا هو الوصيّ السوري).

إقرأ أيضا : لقاء كليمنصو ... الترويكا عائدة وعلى باسيل أن يقلق

ثانياً: أزمات تستوجب إحياء ثلاثية ما 

بعد الإنسحاب السوري ، شهد لبنان اضطرابات سياسية وأمنية خطيرة (من أبرزها اغتيال الرئيس رفيق الحريري) في ظلّ غياب الترويكا وراعيها السوري: مشقات في تأليف الحكومات، اغتيالات سياسية، اضطرابات أمنية، فراغ رئاسي الواحد تلو الآخر، سلاح المقاومة بات بلا ضابط يحدّ من تدخله في الداخل والخارج، وصول الجنرال عون إلى سدّة الرئاسة الأولى، ممّا سمح لصهره وزير الخارجية القيام بتلاعبات سياسية وعنصرية وطائفية خرجت عن حدودها المعهودة والمعقولة، فاستفاقت ترويكا جديدة للحدّ من مخاطر المرحلة التي يمُرُّ بها لبنان هذه الأيام على أبواب الانتخابات النيابية القادمة، والتطورات الإقليمية الهامة والتي تتعلق بمستقبل سوريا السياسي والجغرافي والكياني، ترويكا جديدة يغيب عنها أحد أهمّ أركانها، رئيس الجمهورية، وتستعيض عن ذلك بالوزير جنبلاط، ولعلّ الغالب على قيامها محاولة وقف اندفاعة الوزير باسيل، الرئيس الفعلي للجمهورية، والذي يجنح بسفينة العهد إلى مهاوٍ خطيرة وسط رياحٍ عاتية، مما يجعل وجود رُبانٍ حاذق وماهر ضرورة ملحة، ولو على هيئة ترويكا مُختلّة الأضلاع.