تغريدة جديدة أطلقها الوزير السعودي ثامر السبهان ضد «حزب الله»، انطلق فيها من اعتبار العقوبات الاميركية على ما وصفه «الحزب الميليشياوي في لبنان» بالجيدة، الّا أنه بدا وكأنه لا يعتبرها كافية، اذ اشار الى انّ الحل يكون «بتحالف دولي صارم لمواجهته ومن يعمل معه لتحقيق الأمن والسلام الاقليمي»
 

بقدر ما تستفزّ هذه التغريدة «حزب الله» ومؤيديه، فهي بقدر اكبر ما تدغدغ مشاعر خصوم الحزب في الداخل اللبناني والخارج ايضاً، خصوصا انها تتقاطع مع الطموح الدائم في وضع حد للحزب ووقف إمساكه بالدولة والقرار، وكذلك دوره الاقليمي وخصوصاً في سوريا.

الّا انّ نظرة بسيطة الى عمق المشهد الداخلي وسطحه ايضاً، تكشف أولاً حقيقة عدم تفاعل اي من قوى الداخل مع هذه التغريدة لا من قريب او بعيد، كما تكشف ثانياً انّ أيّاً من هؤلاء الخصوم الداخليين لا يبدو انه يملك الرموز السرية لفك شيفرة هذه التغريدة، ولا مناسبة إطلاقها، ولا الهدف منها. وبالتالي ما على هؤلاء سوى انتظار ما اذا كانت الايام المقبلة ستحمل ترجمة لها ان كانت لها ترجمة.

«حزب الله» حاول احتواء التغريدة بهجوم عنيف على السبهان عبر أمينه العام السيد حسن نصرالله، ومقاربته لها بالحدّة التي اعتمدها نصرالله تؤشّر بوضوح الى انّ الحزب لا يتعاطى معها على انها حدث عابر أو آتية من فراغ، بل ربما هي مندرجة في سياق له تتمّته اللاحقة غير المرئية حالياً.

ويتقاطع ذلك مع قراءات سياسية في محيط الفريق المؤيّد للحزب، مُرتابة من التوجّه السعودي، ومُنشغلة في قراءة أبعاده والبحث عن موجبات صدور تغريدة السبهان في هذا التوقيت، وعن الجهة التي تخاطبها في الداخل تحديداً؟

الّا انّ لهذه التغريدة قراءة سياسية محايدة، لا تتناغم مع المُدغدغة مشاعرهم بها، او المستفَزّين منها، وتسجل حيالها سلسلة ملاحظات يمكن ان ترسم الحدود الحقيقية لهذه التغريدة والمدى المُراد منها ان تبلغه:

• الأولى، لا تقدّم تغريدة السبهان أي جديد حول المشاعر السعودية حيال «حزب الله»، ذلك انّ الموقف السعودي من الحزب يتكرر بشكل مستمر حوله، والذي سبق للمملكة ان صنّفته ارهابياً وحزباً اجرامياً عابراً للحدود وينبغي سحقه.

• الثانية، انّ مضمون التغريدة الجديدة، يبدو أقل حدة من التغريدات السابقة التي أطلقها السبهان، ووصل الى حد وصف الحزب بالشيطاني، فيما الدعوة الى تحالف دولي لمواجهته، لا تبدو جديدة، إذ سبق للمملكة أن دَعت الى ذلك (وما زالت) في كل المحافل الدولية وغير الدولية، وخصوصاً في الامم المتحدة.

• الثالثة، اذا كانت التغريدة تنطوي على بعد إقليمي، فإنها لا تنسجم مع الوقائع والتحولات المتسارعة في المنطقة، او بالاحرى انقلاب الصورة رأساً على عقب، وخصوصاً في الميدان السوري، حيث يَنحى المسار الدولي الاميركي والروسي وغيرهما في اتجاه الحل السياسي على اكثر من جبهة، وإطفاء بعض الجبهات المشتعلة، وليس إشعال جبهات جديدة يمكن ان تكون نارها أشد ممّا هي عليه في الميادين الاخرى.علماً انّ بناء تحالف دولي لمواجهة الحزب او غيره، له خريطة وآليّة إعداد طويلة ومعقدة، ولا يأتي ترجمة او استجابة لمضمون تغريدة على تويتر!

• الرابعة، اذا كانت تغريدة السبهان تخاطب الداخل اللبناني لدفعه الى ساحة المواجهة المباشرة ضد «حزب الله»، فهنا ينبغي التعمّق في ما يلي:

• أولاً، انّ المملكة تدرك حساسية وخصوصية الواقع اللبناني وميزان القوى الذي يحكمه.

• ثانياً، الواقع اللبناني هَش، الى درجة انّ اي محاولة توتير داخلي، بصرف النظر عن الجهة التي يمكن ان تقوم بها، معناها تهديد الاستقرار الداخلي وفتحه على شتى الاحتمالات التي لا تحمد عقباها.

• ثالثاً، إنّ استقرار لبنان ليس حاجة لبنانية، بل هو حاجة دولية واميركية على وجه الخصوص. وثمّة كلام من هذا القبيل تبلّغه مسؤولون لبنانيون كبار في الايام القليلة الماضية من شخصيات اميركية مسؤولة، يؤكد انّ استقرار لبنان اولوية اميركية ويجب الحفاظ عليه وعدم السماح بالمَس به.

• رابعاً، لو انّ ثمة إرادة داخلية بالاستجابة لمثل هذه التغريدات، لكانت هذه الاستجابة ما تأخرت مع التغريدات السابقة، وخصوصاً التغريدة ما قبل الاخيرة التي خيّر فيها السبهان اللبنانيين بين ان يكونوا مع «حزب الله» أو ضده؟ حيث نأى اللبنانيون بأنفسهم عنها ولم تجد من بينهم من يعمل بها، خصوصاً من قبل الاطراف التي تعتبرها المملكة صديقة لها.

• خامساً، تِبعاً لما تقدّم، انّ الواقع اللبناني السياسي وغير السياسي محكوم عليه داخلياً واقليمياً ودولياً بأن يستمر في حال المساكنة القائمة فيه بين المختلفين، الى ان يقضي الله أمراً كان مفعولاً. وكما هو واضح فإنّ أداء مختلف القوى السياسية يصبّ في هذا الاتجاه وإبقاء الساحة الداخلية هادئة، ويبدو أنّ كل طرف متمسّك بموقعه بطريقة لا سابق لها خوفاً من ان يفلت منه او يفقده تحت أي ظرف او في لحظة مجازفة او مغامرة.

ومن هنا يبدو جلياً الحرص المشترك، وخصوصاً بين الذين يناصبون العداء لبعضهم البعض، على التعايش في ما بينهم حتى ولو كان بالإكراه، وذلك لحماية أنفسهم ومواقعهم في آن معاً.

بناء على ما تقدّم، تخلص القراءة المحايدة الى اعتبار انّ تغريدة السبهان لها صداها الأكيد في داخل المملكة المعروف موقفها مسبقاً من «حزب الله» الذي تعتبره عدواً لها، إلّا انّ صدورها في هذا التوقيت ليس سوى تسجيل موقف إعلامي وتعبير عن رأي شخصي لا أكثر ولا أقل.

الا اذا كان خلف الأكمة ما خلفها بما يؤشر الى أن هذه التغريدة التي تستهدف «حزب الله» علناً يُمكن أن يكون الهدف منها أن تُصيب ضمناً، طرفاً آخر «كبيراً» حليفاً للحزب، فإن صح ذلك، فلهذا الأمر حتماً مقدماته وتبعاته، وهذا بالتأكيد ما ستكشفه الأيام المقبلة.