سيدلي الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال أيام بشهادته أمام الكونغرس الأميركي حول الملف النووي الإيراني الذي أراده أن يكون في أولويات معركته على رغم انشغاله بملف كوريا الشمالية الصاروخي النووي. وحسب المعلومات الواردة من واشنطن فإنّ ترامب بإصراره على رفض تجديد الإعتراف بالإتفاق مع طهران إنما يفتح مواجهةً بينه وبين إدارته والعالم وطهران معاً. فما الذي يقود الى هذه القراءة؟
 

سيقدّم ترامب قبل منتصف الشهر الجاري رؤيته أو شهادته أمام الكونغرس الأميركي في ملف إيران النووي مصرّاً منذ فترة على سحب الموافقة الأميركية على الإتفاق النووي المعقود بين طهران ومجموعة الدول (5 + 1) التي تضمّ كلاً من الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا منذ 14 تموز 2015 قبل إحالته ومَلاحِقه إلى مجلس الأمن الدولي للمصادقة عليه ودخوله منذ سنة المراحل التنفيذية الممتدّة لثلاثة عقود بالتنسيق والتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرّية.

وكما بات معلوماً فانّ ترامب قد سجّل مجموعةً من المواقف الحادة التي تؤكّد رفضَه مضمونَ الاتفاق واتّهامَه طهران بالخروج على مقتضياته من خلال الإستمرار بتدخّلها في شؤون الدول خارج حدودها من اليمن وسوريا الى العراق والبحرين والمملكة العربية السعودية، ومن خلال المضي ببرامجها الصاروخية البالستية والتجارب النووية التي ما زالت تقوم بها على رغم تفاهمها على سلمية هذه البرامج وتخصيبها للطاقة والشؤون الطبّية مع مراقبي الوكالة الدولية للطاقة التي تراقب عن كثب البرنامج النووي الإيراني للتثبّت من عدم خروجها عن مقتضيات الاتفاق الذي قطفت طهران نتيجته بفكّ عزلتها الدولية التجارية والمالية والإقتصادية، مع العالم أجمع بما فيه الولايات المتحدة الأميركية التي أفرجت لإيران عمّا يقارب 90 مليار دولار من أرصدتها المجمّدة في مصارفها منذ ثلاثة عقود.

ولهذه الغاية يرصد المراقبون مواقفَ ترامب التصعيدية ضد إيران منذ أن اعتلى منصّة الدورة الأخيرة للجمعية العمومية للأمم المتحدة على خلفية عدم احترامها «روح هذا الاتفاق» وخروجها على تعهّداتها بـ»ضمان الطابع السلمي للبرنامج النووي» مقابل رفع تدريجي للعقوبات عنها.

وعلى رغم مواقف مستشاريه الكبار ووزيرَي الخارجية اريك تيلرسون والدفاع جيمس ماتيس والمخابرات فقد كرّر ترامب القول في الساعات الماضية أنّ إيران «لم تحترم روح الاتفاق النووي» و«لا يجب السماح لها بامتلاك سلاح نووي»، مؤكّداً أنه «كان يجب أن نهتمّ بالتحدّيات في كوريا الشمالية وإيران منذ وقت طويل».

وتوّج ترامب هذه المواقف بالإعلان أنه أبلغ الى القادة العسكريّين إعداد خيارات حسب الحاجة، وذلك قبل ساعات قليلة على لقاءٍ مقرَّر له مع هؤلاء القادة.

وكشفت تقارير وردت أخيراً من وزارة الخارجية الأميركية أنّ ترامب أراد من سلسلة المواقف هذه تحقيق الأهداف الداخلية والخارجية الآتية:

- تحميل وكالة الطاقة الدولية مسؤولية الفشل في مراقبة الأنشطة النووية الإيرانية، ولاسيما منها تلك المتصلة بالصواريخ البالستية البعيدة المدى التي تُصنع في مناطق معزولة عن عيون المراقبين الدوليّين، على ما يبدو، علماً أنّ هذه الصواريخ لا تقع ضمن مسؤوليّاتها.

- توجيه اللوم الى وزير خارجيته اريك تيلرسون وفريق عمله الذين يصرّون على التفاوض مع إيران وقادة كوريا الشمالية فيما يريد هو تصعيداً من خلال التهديد باستخدام القوة العسكرية في كوريا وممارسة مزيد من الضغوط على إيران في داخلها والخارج.

- توجيه رسالة قاسية الى وزير دفاعه جيمس ماتيس الذي أغضبه في شهادته أمام مجلس الشيوخ مطلع الأسبوع الجاري الداعية الى احترام الاتفاق النووي مع إيران عندما قال صراحة: «في غياب مؤشرات الى عدم التزام إيران الاتفاق النووي، فإنّ على الرئيس أن يدرس الاستمرار فيه».

- توجيه اللوم الى وزارة الخزانة الأميركية ووكالة الإستخبارات المركزية على عجزها عن منع إيران من استخدام أموال، ربما هي من المبالغ التي أُفرج عنها، في دعمها لـ «منظمات إرهابية» بعدما سُرِّب تقرير يفيد عن تمويل طهران «حزب الله» بمبلغ 800 مليون دولار لهذه السنة وهو أمر لم يحصل بهذا الحجم قبل الإفراج عن أموالها المصادَرة في البنوك الأميركية والأوروبية.

- الاستعجال في تغيير قواعد الإتفاق، ولا سيما منها تلك التي تسمح لطهران بالتوسّع في برامجها النووية بعد عشر سنوات، أي بدءاً من العام 2025 وإلغاء هذه المرحلة الإنتقالية من اليوم ولربما جاء إقتراح الرئيس الفرنسي إيمانويال ماكرون قبل أيام تعديل الفقرات التي تشكّل «تساهلاً مع طهران بعد السنوات العشر الأولى من المراحل التنفيذية للإتفاق».

وبناءً على ما تقدّم يعتقد خبراء أميركيون أنّ ترامب الذي يرغب في تقديم مواقفه بـ»صخب وضجيج عاليَين» يرغب أيضاً أن تُطرح هذه الهواجس بجدّية من الآن وقبل فوات الأوان ليثبت أنه لن يكرّر الأخطاء التي ارتكبها سلفه باراك أوباما المتّهم بـ»التساهل» مع طهران الى حدود التنازل عن رؤية مصالح بلاده العليا وحلفائها.

ولذلك يتوقع الخبراء أن يمارِس ترامب مزيداً من الضغوط على إدارته والمراجع الدولية الديبلوماسية منها والنووية لاتّخاذ خطوة تلجم «الطحشة الإيرانية» ليبني مواقفه على توقيت يتلازم وبدء عدٍّ تنازلي لا بدّ من أن تحقّقه الوكالة الذرّية والديبلوماسية الدولية على المستهدفين في حملته على طهران وأذرعتها في لبنان وسوريا والعراق وغيرها من الأزمات التي تدخّلت فيها.

وختاماً لا بدّ من الإشارة الى أنّ المواجهة التي يخوضها ترامب لها وجهان أساسيان. احدهما في اتّجاه الداخل للجم المعارضة من ضمن فريقه الوزاري والإستشاري والإستخباري والساعين الى توسيع الهوّة بينهما لتجاوز ما تعانيه إدارته المهتزّة، وخصوصاً انهم يعتقدون أن ليس لديه الخطط البديلة القابلة للتنفيذ لكل ما يريد تدميره.

وثانيهما في اتّجاه الخارج فهو يراهن على فتح المفاوضات من جديد مع الإيرانيين حول الصواريخ والمرحلة اللاحقة من الإتفاق النووي في موازاة السعي الى تقليص الدور الإيراني في سوريا من خلال تفاهمات قوية مع الروس في ضوء الإنجازات التي حقّقتها القوات الكردية الحليفة في حماية الحدود العراقية - السورية من أيّ تدخّل إيراني فيها واستعادت السيطرة على ثلث الأراضي السورية في شمال البلاد، ويمكن أن تصل الى إقفال الطريق الى دير الزور.