هناك نوع من الانتظار الطبيعي لمعرفة ما ستتيحه زيارة الملك سلمان لروسيا وما سينتج عن زيارة الرئيس التركي لإيران كيّ نتمكن من تصديق ما انتشر من إشاعات رافقت الزيارتين وبوتيرة عالية عن وجود خير كبير ولصالح الاستقرار في المنطقة بعد ان عاثوا فيها فساداً
 

القيصر - الخليفة – الملك – الفقيه 
جاءت زيارتيّ كل من الملك السعودي لروسيا والخليفة رجب طيب أردوغان لإيران المُتزامنتين بحثاً عن أشياء مفقودة ما بين الزائرين والمزارين وخاصة لجهة القلق الذي يسيطر على علاقة هذه الدول ببعضها البعض في ظل ملفات خلافية كبيرة جداً وهناك صعوبة للتخلص منها في ظل حسابات ومصالح حتى الآن غير قادرة على جمع ما أمكن من توحيد الرؤية المطلوبة في أمور عالقة في السياسة والاقتصاد.
لكن لا نستطيع المرور مرور الكرام أمام الزيارتين وما نتج عنهما وما أتاحتهما من فرص ثمينة بالنسبة للدول الأربع والتي تتمتع بأنشطة هائلة في المنطقة وخاصة في الحروب الدائرة في سورية والعراق واليمن والتي أثبتت مسؤولية هذه الدول عن الحروب وبمستوياتها كافة.

إقرأ أيضًا: هكذا يتصرف المنتصر وهكذا يسكت المنهزم
لقد لعبت هذه الدول أدواراً أساسية في حرب التوازن الاقليمي أنهكت المنطقة وشلت من قواها وهدّمت آلتها التدميرية الدول التي فضلت الحروب على بناء شراكة سياسية حقيقية غير قائمة على الاستئثار بالسلطة في ثلاثة دول كانت مملوكة لحزبيّ البعث كما هو حال العراق وسورية ولحزب عبد الله صالح كما هو حال اليمن أي أن الدول التي تدار فيها الحروب إضافة الى ليبيا دولاً كانت خاضعة لنفوذ آلهة احتكرت خيرات البلاد وسلطت على العباد سياط استبداد الأجهزة الأمنية والعسكرية الا أن بروز آلهة جديدة قد أودت الى حروب غزتها هذه الدول المُتزاورة التي تحاول البدء من جديد لبناء ثقة سياسية على قاعدة مصالح اقتصادية ولكن على أنقاض الوضعين السوري واليمني وبعد خراب العراق.
نحن أمام دول هائجة في منطقة الشرق الأوسط وقد بذلت إمكانيات ضخمة وكبرى بغية أن يكون لها النفوذ الأوسع في المنطقة والسيطرة شبه الكاملة على سياساتها ويبدو أنها تعقلت بعد أن توصلت الى استحالة سيطرة دولة على الدول وعلى المنطقة وأن إمكانية إلغاء أحد مهمة غير عاقلة من قبل مجانين لا يعقلون الا بعد تدمير ما يختلفون عليه وهذا ما حصل في سورية اذ جاء التوافق ما بين روسيا وتركيا وايران بعد أن مات السوريون وبعد أن تمّ هدم الهيكل ويقيت سورية مجرد أثر لا أحد سيجده لإعادة بنائه لأن من طبع هذه الدول الهدم لا البناء فهم يبذلون كل إمكانياتهم من أجل القتال ولا يبذلونها من أجل البناء.

إقرأ أيضًا: الأسد في المزاد
إن دولاً كروسيا وتركيا وإيران والسعودية ذات قوّة عالية ونفوذ وازن في كل شيء ولو أنها تحوّلت لحلف قائم وفي مستويات متعددة لعززت من فرص أخرى غير الحروب التي أتاحتها ولما تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من اللعب بها وبالمنطقة وبالتالي فإن إمكانية الرهان على صمود هذه الدول في ودّ علاقاتها المستجدة لرهان خاسر طالما أن هذه الدول محكومة لمنطق الايديولوجية لا لمنطق السياسة. 
هناك نوع من الانتظار الطبيعي لمعرفة ما ستتيحه زيارة الملك سلمان لروسيا وما سينتج عن زيارة الرئيس التركي لإيران كيّ نتمكن من تصديق ما انتشر من إشاعات رافقت الزيارتين وبوتيرة عالية عن وجود خير كبير ولصالح الاستقرار في المنطقة بعد ان عاثوا فيها فساداً.
ثمّة من يرى في محاولة كسب الملك السعودي لودّ القيصر الروسي فيه ما يساعده على أخذ ما لم يستطع أخذه من إيران وما يكسب القيصر "الفقير" المزيد من المال ولكن هذا ما سيضع الحسابات الروسية ما بين المالين الايراني والسعودي في لحظة قد تستدعي الشركة الروسية للإنحياز الى أحد المالين بعد أن تفقد سيطرتها على كسبهما معاً، وهو المصير نفسه بالنسبة لتركيا التي رمتها مصالح الاخوان المسلمين في شباك إيران وعلى خلفية الاستفتاء الكردي وهندسة عراق ما بعد داعش وعناوين أخرى جعلت من زيارة الخليفة التركي للفقيه الفارسي زيارة غير عادية ودقيقة النتائج ولكن تجربة البلدين مرّة ولا يمكن الرهان على حلاوتها الدائمة.