العلاقات اللبنانية السورية تطرح إشكالا على الدوام بوجود طيف واسع من الأحزاب داخل لبنان متحالفة مع دمشق
 

ليس هناك ما يفرق اللبنانيين أكثر من مسائل تخص السياسة الخارجية. في الوقت الذي تتعافى فيه البلاد من آثار الحروب والاحتلال والانقسام الطائفي والحظر والمقاطعة، كادت زيارة قام بها مؤخرا سياسيون لبنانيون إلى المعرض التجاري السوري أن تدفع اللبنانيين نحو طرح أسئلة تتعلق بالسياسة الخارجية قليلون مستعدون للإجابة عنها.

عندما حصل اللبنانيون على الاستقلال من الفرنسيين في سنة 1943 أحدثوا صيغة سياسة خارجية تقوم على مبدأ “لا شرق ولا غرب”. وفي الأساس كان هدف لبنان وضع نفسه وسط المحيط الدولي متجنبا الصدامات مع القوى الإقليمية والدولية.

وبالرغم من النجاح الذي حققته لسنوات معدودة كانت هذه الصيغة هشة إذ زادت حدة الانقسامات الأولية بسبب الحروب مع إسرائيل والتدخل الغربي في البلاد، وميثاق بغداد (فيما بعد أصبح “منظمة المعاهدة المركزية”) وصعود الناصرية التي أجهدت الوفاق السياسي وانتهت في ثورة 1958.

على مدى العقود الموالية تسببت أحداث أخرى في تفاقم الانقسامات بين اللبنانيين في ما يتعلق بالمسائل الإقليمية التي تضغط على البلاد. كان الاضطراب المدني سنة 1975 في جزء منه امتدادا لضبابية كامنة تتعلق بمكانة لبنان في المنطقة والعالم، مثلما كان أيضا تدخل الجيش السوري في السنة الموالية والتوافق الدولي الذي سمح بذلك.

وصل هذا البلد مرة أخرى إلى أدنى مستوى له، فبعد سنوات من مقاطعة النظام السوري زار وزيران لبنانيان دمشق للمشاركة في معرض تجاري دولي والتحدث مع نظيريهما السوريين، وبذلك توضع مسائل تتصل بعلاقات بيروت المتضاربة مع سوريا والمملكة العربية السعودية في الصدارة.

تمت هذه الزيارة بالرغم من أنها لم تحظ بالموافقة من الحكومة اللبنانية أو رئيس الوزراء سعد الحريري. وتم تصوير وزير الفلاحة اللبناني غازي زعيتر ووزير الصناعة حسين حاج، من حزب الله، إلى جانب صور للرئيس السوري بشار الأسد.

بعد سنوات من مقاطعة النظام السوري زار وزيران لبنانيان دمشق للمشاركة في معرض تجاري دولي والتحدث مع نظيريهما السوريين
كانت علاقات لبنان مع سوريا مضطربة منذ أن أدى اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في فبراير 2005 إلى انسحاب الجيش السوري بعد 29 عاما من الوصاية والسيطرة. ومع ذلك اعتبر المحور السوري الإيراني المتحالف مع حزب الله في لبنان (بمساندة روسية) أن ذلك رجّح كفة الميزان إلى صالحه. وتدعّم ذلك الانطباع بالمحادثات الأخيرة الرامية إلى وقف الدعم الأميركي للمعارضة السورية الذي لم يصل إلى مستوى التطلعات على أيّ حال.

ونظرا للزخم الذي يكسب به النظام أرض المعركة على ما يبدو، يمكن تصوّر إمكانية شعور دمشق وحلفائها بالحرية للتفكير في علاقاتهم مع لبنان بشكل أشمل. كما يمكن أن نتصوّر بدرجة مماثلة أن النظام السوري قد يكون بصدد التفكير في الانتقام من انسحابه المذل من لبنان في سنة 2005.

وهناك أدلة تشير إلى ذلك إذ تم الكشف عن دور دمشق في هجوم إرهابي موجّه إلى مدينة طرابلس شمال البلاد في سنة 2012. وكان المشتبه به الأول في القضية الجنرال علي مملوك من المخابرات السورية، وبالتوازي مع اتهام الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة بتهريب المتفجرات إلى داخل لبنان في سيارته الخاصة. ويوجد سماحة في السجن بينما لم يزر مملوك لبنان أبدا.

لقد كانت علاقات لبنان مع سوريا تطرح إشكالا على الدوام. بوجود طيف واسع من الأحزاب داخل لبنان متحالفة مع دمشق، وكثيرا ما تحصل على دعم حزب الله حليف الجيش السوري، كان لدمشق رأي في الشؤون اللبنانية أكثر مما تستحق. ومع ذلك تقيم الأحزاب الأخرى علاقات وثيقة مع قوى إقليمية مثل علاقات رئيس الوزراء سعد الحريري مع المملكة العربية السعودية.

بلغت المقارنات بين الدورين السوري والسعودي في لبنان أقصى مداها، فمن جهة دعمت الرياض الدولة اللبنانية في إعادة البناء والاستقرار المالي لسنوات بغض النظر عن تحالفات بيروت مع حزب الله. ومن ناحية أخرى هيمنت دمشق على البلد واقتصاده على مدى قرابة الـ30 عاما.

التوترات الإقليمية بين السعودية وإيران (الموصولة بالمشهد السياسي اللبناني) مازالت لم تؤد إلى أيّ نوع من الانفجار، سواء المادي أو السياسي منه، ومع ذلك ازدهرت الحروب بالوكالة على مدى التاريخ وكان لبنان مسرحا للكثير منها. وربما آن الأوان ليفكر في مستقبله بشكل شامل.


رامي الريس