رسالة من الشيخ حسن مشيمش من فرنسا
 

 أخي أكتب إليك هذه الرسالة من جوار برج إيفيل الذي لا يتميز عن برج البراجنة إلا بفارق بسيط حيث الأول عارٍ تماماً من كل رسم ويافطة وصورة كنسائهم  والآخر أي برج البراجنة تتعذر مشاهدته أرضيا وفضائياً لكثرة المباني المحيطة به حيث تحجبه عن الناظر الماشي والطائر صوناً له من صيبة العين ! ولشدة حشمته تكلل باليافطات والصور المتنوعة من رأسه إلى أخمص كرسيه مع قليل من الكيماويات حوله التي نسميها “زبالة” في أدبياتنا مسامحة في التعبير .
أكتب إليك من تحت قوس النصر في باريس الذي تم تشييده  على أيدي عصابات العلم  ومافيات العدالة الإجتماعية  وقراصنة حقوق الإنسان  وَزُمَر الديمقراطية   بعد انتصارهم على رموز الجهل ،  وصُنَّاع الفقر ،  وأرباب القمع من دون أن يسلبوا الحرية من حياة مَن كان يحميها من قساوسة وأحبار ورهبان وملوك ونبلاء ( وفقهاء ) وخلفاء  ومناضلي “البروليتارية ” دكتاتورية الطبقة العاملة وفلاسفتها 
بُعداً لهم ما أظلمهم وطوبى لنا ما أعدلنا !
 أكتب إليك من مجتمع بلغ الذروة في غبننا والتدليس علينا حيث لم يكتف بتحويل علب السردين الفارغة التي يسرقها من مزابلنا مع النفط إلى أجهزة تلفون خليوي  بل راح يقوم اليوم بتحويل تنكة جبنة العكاوي إلى كمبيوتر ومن ثم يبيعها في أسواقنا بأفحش الأثمان وأفدح الأسعار .

إقرأ أيضا : حوار جرى على الواتساب بيني وبين عضو قيادي في حزب ولاية الفقيه
ما أقبحه من غبن وغش ويلٌ لهم من مطففين؟
أكتب إليك من مجتمع يقوم بتحويل الزبالة عنده إلى أكياس وكؤوس إلى أباريق وفؤوس  إلى أسمدة لتغذية كرومه وحدائقه ووروده وأزهاره والفاضل منها يقايضنا به على ما تجود به آبارنا النفطية وتربتنا الغنية .
سحقاً لهم ما أوسخهم وما أنظفنا  !
أكتب إليك من مجتمع غريب الأطوار المحكوم فيه حاكم مُحاسِب مَهيب والحاكم فيه محكوم مُحَاسَب مرعوب مجتمع كافر فاسق بعقيدتنا القائمة على تنزيه حكامنا ( وتقديس فقهائنا ) الذين يسألوننا عما نفعل وهم لا يُسْأَلون  !
هبلتهم الهبول ما أجهلهم وما أعلمنا  !
أكتب إليك من مجتمع وزيرهم يأكل الطعام بين الناس ويمشي في الأسواق بلا حراس ويمتطي دراجة هوائية جاهلاً ممارسة فنون تعظيم الذات وتفخيم الأنا بألفاظ التقديس وأفعال التمجيد وحركات التبجيل وجاهل بفن الإحتجاب عن الناس كشرط متفق عليه بين المتألهين في بلادنا بين ( زعمائنا وفقهائنا  ) الذين يشاركون الله قميص الكبرياء و ينافسونه برداء العظمة !
أكتب إليك من مجتمع لغاته متغايرة وأديانه كثيرة ومذاهبه متنوعة وأحزابه متعددة ومتنافسة وكل حزب يملك ما تملكه أحزابنا  إلا الأجهزة الأمنية وحقيبة مالية خارجية  حنونة ( فارسية عجمية حنونة ) ويختلفون أشد مما تختلف أحزابنا وأدياننا ومذاهبنا إلا أَنهم لا يلجأون إلى ما نلجأ إليه من تجويع وتقتيل وتكفير وتخوين دفاعاً عن الدين أو المذهب أو الطائفة  أو  الأمة !

إقرأ أيضا : الشيخ حسن مشيمش من فرنسا يفتح الدفاتر القديمة مع حزب الله
شحذ الله هممهم بإرادة النضال وشحن عزائمهم بروح الجهاد !
أكتب إليك من مجتمع حُكامه لا يُعَارَضون ويُنْتَقدون ويُحَاسَبون ويُرْمون بالبيض الفاسد والبندورة العفنة فحسب بل ويزعجونهم بتغييرهم وتبديلهم كل 4 أو 5 سنوات ببدعة تداول السلطة سلمياً بلا عبوات ولا قنابل ولا إغتيالات وذلك  بواسطة صناديق الإقتراع وقد جعلوا  فيها صوت الغني بمثابة صوت الفقير وصوت الجاهل بمنزلة صوت العالم وصوت المرأة بمستوى صوت الرجل ببدعة أخرى يسمونها
(  المساواة  ) .
 ما أقصر نظرهم وأضييق أفُقهم  " نور الله عقولهم الفارغة "!
 أكتب إليك من مجتمع لا يعرف معنى الإقامة الجبرية والنفي للمعارضة السياسية ولا يُجيد جيشه إطلاق الرصاص على التظاهرات الشعبية ولا يُرمى الإنسان فيه تحت أي عنوان وراء القضبان من دون محاكمة قضائية ولا تُتْقن شرطته البلهاء انتزاع الإعترافات تحت التعذيب فوق الكراسي الكهربائية !
 مجتمع يعتقد بأن خالق الأكوان ما أنزل الأديان إلا لسعادة الإنسان المادية والروحية وليس العكس أي الدين في خدمة الإنسان وليس العكس ولذلك تعاهدوا وتعاقدوا على ألا يبقى بينهم إنسان يفتقر إلى حبة دواء أو كتاب مدرسة أو مسكن  أو حاجة ضرورية للحياة وأيقنوا يقينا  لا حد له بأن ذلك لا يستقيم ولا يستمر إلا ببقاء ثلاثة مبادئ تجري في حياتهم كمجرى الدم في عروقهم.
 أولها: مبدأ المحاسبة
 وثانيها : مبدأ تداول السلطة
وثالثها : حرية التعبير الفكري والسياسي
والثالث عندهم هو مبدأ المبادئ  مؤمنين بأن سيئات الحرية أقل خطراً من حسنات القمع وأن أخطاء الحرية والإختيار أقل شراً من صواب القهر والإجبار .
هداهم الله لما اهتدينا !
أخي… لقد اشتقت إلى مجالسة روحك الطيبة لأستفز ذهنك الوقاد حتى يدر جواهر من علومه العقلية والنقلية والذوقية بما يساهم في إيضاح معالم الطريق للوصول إلى رضوان الله وإنعاش قلوب سفرائه الحزينة علينا ومنا أخي  إن الغربة عن الوطن موحشة ليس بسبب البعد عن أفقا وشلالتها أو قمم فاريا وثلوجها أو الشاطئ الأزرق والضفاف الخضر التي لم نشاهدها في حياتنا إلا في كتاب الجغرافيا في مدرستنا الحكومية المجانية بسبب الفقر !
إشتقت إليك لأنني ءشتقت إليك .
 ( الشيخ حسن مشيمش المقيم في فرنسا ) .