أكثر من رسالة سياسية وجهها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في إطلالتيه العاشورائيتين. تتخطى هذه الرسائل المعلن، سواء أكان بالدعوة إلى الهدوء، والحفاظ على التسوية في لبنان، أم الدعوة إلى الحوار في الإقليم، لاجل الوصول إلى حلول للأزمات، لأن الحرب لن تنفع ولم تعد قادرة على تغيير موازين القوى. تحدّث نصرالله جازماً عن إنتصار المحور الذي ينتمي إليه. وأصر على التأكيد أن الحزب حريص على الوضع الداخلي والاستقرار، داعياً الجميع إلى الالتقاء على كلمة سواء.

وتخطّت الرسائل الأساسية لبنان وتفاصيله الداخلية، إذ كان واضحاً من خلال كلام نصرالله، أن البلد تحت السيطرة، لا سيما في معرض تشريحه الوضع الداخلي، وكيفية دخول الحزب على الخطّ وإنجاز تسوية سلسلة الرتب والرواتب، مع حفظ ماء وجه الجميع، وخصوصاً الرؤساء الثلاثة. وهو قال ذلك للإشارة إلى أن الحكومة ستبقى إلى آخر يوم في ولايتها الدستورية، لافتاً إلى أن لا تأجيل للانتخابات النيابية المقبلة ولا تمديد للمجلس النيابي لأن ما من سبب لهذا الامر. وقال: "القانون الانتخابي الجديد قام على أساس تسوية وطنية، وهو ما يجب أن ينفذ"، وضم صوته إلى "صوت ​رئيس المجلس النيابي​ ​نبيه بري​ بالقول أنّه قطعاً لا يوجد تمديد ولا تأجيل للانتخابات وستجري. لا سبب للتمديد. ولا تمديد".

يتضح من خلال هذا الكلام، أن نصرالله يتحدث بثقة مَن أصبح لبنان خاضعاً برمّته إلى إرادة حزبه وسياسته، وإلى أن الحزب هو الذي حدد المهمات والاستحقاقات. وهذا يعني أن الحزب، غير مهتم في مختلف التفاصيل الآنية اللبنانية، ويركز جهوده المحلية على نقطتين أساسيتين، هما التطبيع مع النظام السوري، وهو ما ألمح إليه نصرالله حين قال إن بعض الأفرقاء يريدون المشاركة في إعادة إعمار سوريا، بدون التواصل مع النظام السوري، معتبراً أن هذا الكلام غير منطقي؛ فيما النقطة الثانية هي التنسيق مع النظام لإعادة اللاجئين السوريين، وفي الحالتين فإن الحزب سيستمر بالسعي لإعادة العلاقات اللبنانية السورية، أو لإعادة لبنان إلى حضن الأسد.

أما على الصعيد الإقليمي، فلا بد من طرح سؤال أساسي، إذا ما كانت المرحلة تنطوي على عقد تحالفات جديدة، إنطلاقاً من إعادة التركيز على مواجهة المشروع الأميركي، مقابل الالتقاء مع قوى كانت على خصومة مع الحزب وإيران في السنوات الماضية، كتركيا، وبعض القوى الإسلامية. يصر نصرالله على تجاوز ما حصل في المرحلة الماضية، من خلال تأكيداته أنه أنهى المهمة في سوريا وانجزها، وهو ينظر إلى ما بعدها. لذلك، فإن الرسائل تحتوي على المطالبة بطي الصفحة السورية، من خلال استعجال الانتصار واستعجال التطبيع بين لبنان وسوريا، مقابل عودة خطاب قديم، هو التركيز على مواجهة المشروع الأميركي، إنطلاقاً من تحالفات جديدة. وهو ما أوحى إليه حين قال: "إذا كنتم تراهنون على أميركا فإن التقسيم سيحصل وكما كان داعش مشروعاً أميركاً في المنطقة فالتقسيم مشروع أميركا الحقيقي في المنطقة". أضاف أن التقسيم إذا ما حصل، سيشمل جميع الدول ولن يقتصر على العراق.

لا تُخفى اللقاءات التي حصلت سابقاً بين حزب الله وبعض القوى المحسوبة على الإخوان المسلمين، وقد سعى الطرفان إلى طي صفحة "الكارثة" السورية، والخلاف بينهما بشأن هذه النقطة، مقابل الالتقاء على نقاط أخرى، أبرزها الوقوف بوجه هجمة الإدارة الأميركية تجاه القوى الإسلامية. بالتالي، فإن المرحلة الحالية والمقبلة بالنسبة إلى الحزب وإيران، تقتضي تقاربات جديدة، من خلال الجلوس مع الأخوان، ومع حركة حماس وآخرين، يكون قد حصل على صكوك براءة من الدم السوري، وقد استعاد الشرعية السنية من وجهة نظره.